الأربعاء، 13 جوان 2007

مجموعة حمى القصائدة كاملة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المقعدُ الخاوي

على مقعدِ الجامعةِ زحمةٌ لا تُحْتمل
على مقعدِ الجامعةِ تجلسُ أمّي
ترصفُ أحلامي
واحدََََا...
واحدَََا...
أراها تعلُو...
أفرحُ
لزغاريدِ عينيها
للفراشاتِ تَشُدُّها لطفولَتي
تُلهيها عن تسريحة شَعري
إذ تَغيّرَت.
تُقنعُها أنني ما كبُرتُ يوما
ولا فكّرتُ في هجران البلد

على مقعدِ الجامعةِ زحمةٌ لا تُحتمل
على مقعد الجامعةِ تتربَّعُ تونس
أَزْهُو بأوشامِها
بالخطاطيفِ تُطرّزُ بياضَ البلاد


بالياسمين...


أعجبُ
لعطشِ مجردَةَ
[1] على خصرها
لانحناءاتِ ظهِرها
أسألُ...
يا بلادي كم عمرًا في المنافي البعيدةِ ضيَّعْنا
.....ولم نُعدْ لكِ صباكِ...

على مقعدِ الجامعة يُحاذيني الحبيبُ
كلُّ دفاترِ الدّرسِ رسائلُ شوقٍ
نَخطّها ثّم نمضي ضاحكيْن
"هل ترى مثلى من السّماءِ البعيدة منفذا
إلى سماء أبعدَ؟"

"دَعينا نُرتّبُ أيّا مَنا القادمة"

وأسألُ
"لمَ لا تُحبُّني مثلما أشتهي
وتنسى عندي أضلعَك؟"

على مقعدِ الجامعة رُفاتُ الأصدقاء
وحدَهم الأصدقاءُ إذا متُّ يُطيلونَ بُكائي
ليُردّدُوا شعوذاتي التي حفظوا
" الشعر...
هو ما ينظمُ حركةَ الفصول
والشّعر...
هو ما يُلوّنُ مدنَ الصّقيع
والشعر...
هوَ ما ارتجفَ لهُ الله
ليقولَ بكَ يا عبدي آمنتُ
والشعر..."
فإذا اشتعلَ تابوتي...
فرُّوا
إلى حبيباتهم ساخطين

على مقعدِ الجامعةِ زحمةٌ لا تُحتَمل
حصارٌ...
يطيلُ عمرَ الصّمتِ
وكلُّ المقاعدِ خاليةٌ
إلاّ
من الانتظار
مرّت كلُّ القاطراتِ مسرعةََ
إلى منافيها
...
ولم يجئ النبيُّ.

قفْ يا شاعرُ
لتُزهرَ تحتَ قدميكَ الصّباحاتُ
قف
افتح كتابكَ
نأْوي إليه خاشعين
نَعودُ أطفالاً...
نُكايدُ حبّاتِ المطر
نُبحرُ...
زوارقَ من ورق
إلى أقصى الشرق
أقصى الشرق
ثمّ نعودُ فاتحين

نصيرُ أيَّ لغزٍ بالكتاب
أحرفََا
أسطٌرًا
أو مجازًَا هاربََا
نَنسى...
أننا كنّا مقاعدَ
وأنّهُ كان...
يُدمينا الضّجر

تونس 2003


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ تسمياتٌ على مسامعِ الظّل


مُسْتوحدانِ...
أنا وظلّي
نرسُمُ للحلمِ سلالمَ
...
مستوحدان
لا وفيَّ لنا
نُسمّي الدّفاترَ عمرًَا
[ الأسماءُ...عرائسُ سكّر
...
...
...
والعمرُ...خيولٌ تهاوت]

عندما تُرحِّلُنا ريحُ الشّمال
ترحّلُ الظلَّ والأسماء
ورغبة طفل أن لا يَئوبَ
تُرحِّلُ سلالِمَ...
دفاترَ...
قمرا...

القمرُ لا ينامُ إلاّ على طرفٍ كحيل
الدّفاترُ جاريةُ الضّاد
أَسلمَت لها الجسدَ العاري وقالت
زُفّيهِ للماء
شكّليه
انفُخي فيه منكِ...

السّلالمُ...
نخلُ الحفاة إلى
...
نشيدٍِ في جوف اللهِ صداه
والرّومُ لم يعرفوا يوما
كيفَ السلالمُ بسطت لنا الصحراء
زوّجت النخيلَ لظلّه
لتَتهادى الثّملاتُ على أفواهِ الأنبياء
وينام خطافُنا
على قبابِ الوجدِ
آمنًا...
كأنّ السلالمَ
في غفلةِ الظلّ
بلا دفاترَ للأسماءِ صارت
كأن الأسماءَ بلا سلالمَ للصحراء
صارت
على درجِ البياض
يحضنُ الفخّارُ دمَهُ
والشرنقات غمامُ ظلّنا
تسامقُ القبابَ إلى النخيلِ
إلى النشيدِ
إلى جوف الله ...
سرابًا للسراب

كأن السلالمَ بلا دفاترَ للأسماء صارت
حين نُسمّي نقولُ: شهداء
كأنّ الأسماءَ بلا سلالم َ للصحراء
صارت
حين يُسمّي المنجلُ يقولُ
أنا المطعونُ في أرضه
...
...
يا ظلّي الراكضةُ بهِ الدّفاتر
اخرجْ
من ضلالةِ الأسماء
هنا
على السلالمِ دفاترُكَ
معراجًا للمعنى
سفرًا للماء في الماء
إسطرلابا تتهجّاهُ الريح
حمّالَ لهب:
فالأسماءُ
عرائسُ سكّر
والمنجل
يُعانقُ الدّفتر

تونس 2000

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ممرّاتٌ ضيِّقَةٌ لجسدٍ مهجور

لي
ما يُعيدُ ترتيبَ المشهدِ
ولي ما يَفضحُ الصّمتَ بيننا
دعْ تلوينَ الوسادةِ بقُبَلِ المساءِ
شاحبةً
استرقْ نفسًا قصيرًا
واخترْ طريقًا أخرى
إلى...
شفتي
...
لي ما يُعيدُ ترتيبَ المشهدِ
ولي مل يفضحُ الصّمتَ بيننا
أنا لا أُطالِبُكَ برتْقِ الزّمنِ
لكنّني أطالبُكَ بدهشتنا الأولى
كلّما أيْنَعت قُبلة
هامَ النّهرُ بيننا
وأنجبَتنا أغنية
في الممرّاتِ الضّيِّقةِ
لجسدٍِ مهجور

تونس 2003

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رسولٌ في انتظارِ البرق

"كم تُراها تتحمّلُهُ حنجُرَتُه؟"
يردُّ الصّدى
احمل سلالَكَ وامضِ
لم يترُكوا سمراءَ بلا نحيب
لم يترُكوا حرّةً
لحرِّ...
رحلَ الذين يُقرئُننا لُغةَ الجبالِ
...رحلُوا
والذين يقرئوننا جنازاتِ الهزائم
...على القصيدةِ جثموا

موزَّعةٌ همساتُ العشّاق على المدى
يفْجأكَ القفرُ
كلّما في الحلق
تفتّحَ للعشقِ نغمُ
...هوَ العاشقُ ليس يُضنيه انتظارُ
كما البحر
يغفُو
فلا يحدوهُ مرسى
غيرَ أعين شرّدها الرّقيبُ
وتُهدهدُ نفسَكَ،
قمرُ الأعين لم يزل عُمرُ
[2]
والعشاقُ زيتُ النجوم
يُضيئونَ لنا الدنيا
يا ليلُ،
لا تُجهش بالغياب
يا ليلُ لا ترحلِ الآن،
يحلُو العناق..

يردُّ الصّدى
سلْ عرائسَ البحرِ
فيمَ الشّدوُ الحزين
كأنّ زبدَ البحرِ زفراتُهنَّ
وكأنَّ حدودَ السّماء
أطيافٌ لأحبّةٍ من
دخان
... على عجلٍ
يذرفُ الليلُ أحلامَ الفقراء
ويمضي
يفتّتُ على وسائد الشهوةِ
ما تبقّى
من ضلع الآلهةِ
فيستحيلَ الغزل

خجلاً
...
على ذات الوسادة
تفترشُ التلالُ البعيدةُ
حزنهَا
ترنُّحًا...
تروي السنابلُ
الحكايةَ
"أوّلُ عشقهم مثلُ آخره
مرّةً
زوَّجوا القديسةَ رجلين
ومرّةً
تهاوى على أعتابها بكاءً
قصَّ شعرَهُ حين طَلبت
إليَّ بكحلِ الحجاز
كان ...
في غمرةِ استعارَةٍ مكسورَةِ المجاز
ضيّعَ الطريقَ إليه
...

...
أحرقَ كفّيْه لمّا عطِشت
لم تطلُب زَمْزمَ
ففيمَ خرسُ الأردن...
هديلُ النهرِ لم تسمعهُ
لم ترتوِ
احمل سلالكَ وامضِ
أغاني الوجد التي طارت بكَ
ليست لهم.
هيَ ذي آثامُهم
أكبرُ من نشيدٍ
يُكفّرُ عنها

موزَّعةٌ خرائطُ الوطن
عــــــــــلى القصائــــد...
موزّعـةٌ قصائدُ الوطن
عـــــلى الخرائـــــــط...

يفْجأُكَ القفرُ
إذا الشعرُ ألهبَ السؤال
يا أيّها الشاعرُ
لكَ صوتي
والضادُ عروسُ القلم
كم تُراهُ نزفَ
كي يصيرَ معقوفًا عليها
إني...
أبصرتُ الأحرُفَ
توقدُ نقاطَها مصابيحَ
وباركتُ القوافي
أهازيجَ الرعاة

ضُمَّني
يا شاعرُ ضُمَّني...
لنقترفْ فضائحَهم
لتهوِ التماثيلُ التي عبدوا...
...
هو ذا سيزيف منهم
يكوّرُ صخرَتهُ
الأخيرة
فلندحرج نحن
صخرةً أخرى
لألاّ ننحدر
...

يـــــــردُّ الصّـــــــدى
هنا مثلُ المخذولِ في
أهلِه
تهسهسُ الريح:
يائسةٌ خيمتُنا
أَحرقَت أوتادَها
ليستضيءَ آخرُ الشعراء
نطقَ مرّة
رقصَ العبيدُ
أحرقوا السياطَ
أحرقوا البلاط
شقّتِ الحقولُ شقائقَها
ردّت الطيور
" اثأرْ للطبلِ وللنار...
اثأر..."

وتظلُّ...
وحدَك الشاعرُ
تتهجَّى ما أورثََه عقاب
لنورسٍ
لتعلّمَهم لغاتٍ سبقتَهم إليها
وتُذكِّرَهم بالسماءِ
رذاذًا أسودَ
على هاماتهم تشظّت
وبالليل...
في غفلةٍ من الشمس
يذرُ بهجةَ الصحراء

وحدَك...
يجيئُك اللهُ ليبلُوَكَ
بأشعارِهم
وينساك...
رسولا آياته الحزنُ عليهم
فتطالعُك موازينُهم أثقلَ
من أوزانِ القصيدة
فمن تراهُ
يقيمُ عكـــاظا جديدة
لأوجاعَ موسمية؟
من يحمل عنكَ أوزارَ القبيلة
ليصحوَ الحلم الذي أهملوهُ
على خصرِ راهبة
هيَ ذي آثامُهم
أكبرُ من قصيدٍ
يُكفّرُِ عنها

اترُك سلالَكَ وامضِ
كلُّ الأغاني التي
طارت بكَ
ليسَت لهم
يا القطارُ انتظِرهُ
الزّمنُ الهاربُ هو الزّمنُ
الجمعةُ جمعةٌ
والخُطبةُ خُطَبُ.

يرُدُّ المفلِتُ من القطار
"يا أيتُها الآلهات التي
تطوفُ بي
تدنو منّي
تعالَيْ إليَّ
أسنِدي وجعكِ إلى
سفوحِ لفافاتي
إلى حشرجةِ صوتي
ونامي
أنا لن أوقِظَكِ
حتى...
يَجيئَني منهم برقٌ
أنا لن أوقظكِ إلاّ
متى
استيقظتُ فيهم


تونس 2002


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مجُــوس

...
فجأةً
يَجلِدُنا الأنا بالسّؤال
لم يكن للغيمِ اسم حين التقينا
ولم تجئْ
من الكهوفِ كائناتٌ... لا
...ولم يَسبقنا إلى القبلِ السعيدةِ
الهٌ غيوُر
يَحرِمُنا لذّة الإثم
ويَشطرُنا مثل التفاح ليقال
ذي الأرض...
وتلك سماء

لا لم نكن نشتهي أن نفترق
لكنّها حوّاء...
أو ربّما لم تكن حوّاء
هي القافلةُ تجرُّ القافلة
والمنفى أوحدُ
تدمر مثل البصرة
أشبهُ بحصوننا الوهميّة
وبصلواتٍ للتفكيرِ عن النبوءة
أشبهُ...
بحرائقَ نلهبُها كي لا نسأل
من الذّي أعدمَ جدّه؟
ومن أضاعَ ظهره في الدروب؟
ومن الذي يُرجى من توقيعِ اللغة
وكلُّ الطّبولِ دُقّت للحروب...

أشبهُ
بمواعيد
نضربُها مع اللاتي صدّقن الرّؤيا
نحتفي
بالشعرِ مَهدا للخمرِ
مُعتّقةً في أفواههن
ونهوي
..........
..........
من أفواهِ المولعينَ بالبُكاء
"كان يحبُّها
فأدرَكَهُما الضّياء"

...
لا لم تكن حوّاء
هيَ القافلةُ تجرُّ القافلة
والمنفى أوحدُ
...
تسلّلتِ القيامةُ إلى
أناشيدِ الأطفالِ
قيلَ
ما من حلوى لهذا العيد
فكلُّ الألوان بيضاء
أو
بيضاء...

فجأةً
صَمتَ الذي يُحصي خيباتِنا
فمَضينا
نذرُّ الملحَ على البصرة
ونغرِقُ في النهرِ أطفالَنا
ثم خشينا
أن يُعاوِدَنا الصوتُ
فرقصنا
حولَ النارِ
مجوسًا
وانتهينا
لا نصغي إلاّ
لِسوْءاتِنا
...


تونس 2000


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خجل

في دمي
كلُّ العازفاتِ انتكسْنَ
كلُّ العازفاتِ ألفنَ عزفًا
مُمزّقَ الخطى
ويمزِّقُني...
أنّيَ بلا خطى
وأنّ نوحَ السّفينةِ أدركَ السبيل
[لم أُدركهُ أنا ]

صديقي في الخطوِ
أين لحيتُكَ البيضاء
أين ما يهتدي بهِ
إليكَ
شُعراءُ...
شُعراءُ...
شُعراء

أنا مثلُكَ
أحملُ زوجَين من كلِّ الخلائقِ
على البكاء
لأنقذَ الحرفَ من رقصِ الكلماتِ
في الهواءِ المختنقِ
...
مثلُكَ أنا
أنحني
للغةٍ
تعدُ بالوصالِ
وتُخلفُ متى
ألحَّ الانتظار
...

مثلُكَ
أنّاتٌ إلهٍ في بدءِ التكوين
طارت بِها العنقاءُ
وضيّعَها الغرابُ
...
إني
...
فهل أنتهي مثلَُكَ
بلا مرآةٍ

تُراهم يَزُفّون إليَّ مُدنَ
المسكِ والصّندلِ
أم يزُفّوُن للطيرِ خَبري
"أقامت بيننا
وارتحلََت في المجاز
يا طيرُ لكَ فيها سكنُ
وعلى ركحِها غناء"
...
وتُراهم
؟
أم تَراني
ضيّعتُ العمرَ
في أحابيلِ لحيتِكَ
وأطلتُ الوقوفَ تحتَ سقفِ
...الأنبياء


تونس2002

ـــــــــــــــــــــــــــــ صلواتٌ لليلٍ بمشهدين

للمشهدِ وجهان ...
عموديٌّ... وعمودي
هذه الأرضُ قطريّةُ الوجع
وأحبُّها
فتَطوفُ بيَ الأزاهيرُ...
تُسوّل ليَ العالمَ
قُزَحِيّا

أطرَبُ
لريحٍ تُراقصُني
لغيمةِ الحرير
تمدُّ أليافَ القطن...
تحضُنني
أبكي...
كمن تلاشى في القطنِ
إذ تَلفُظُني
تبكي...
كمن اعترتْهُ طفولَتُهُ
إذ تشتهيني
تسّلّمُني للأماني
أنقّلُها كالشهبُ من نجم إلى نجمِ

وأظلُّ أعلُو
لأُوار َيني بين الّنيازك
أذرفُ الأشياءَ مع القصائد
أنثرُ حبّاتِ الوقتِ
ولعنةََ الأسماء
لأرى الذّاكرةَ موزّعةً
على قممِ الثّلجِ
ولا أُبالي ...

طِرْ بي يا حصانَ الصّمتِ... طِرْ
أسرِ بي
ولا تَعرُجْ على قناديلِ الغضبِ المطْفأة
لا ضفّة تتّسِعُ لحُلمِنا
لا التّكويرُ أعجزَهم
لا سماءَ تعْلو سماءَهم
وحدَها...
غربانُهم تُبشّرُ الكائناتِ بريشٍ أبيض

خُذْ منهم جنازاتِهم
ووَزِّّعْ على أعناقِهم أكاليلَ الأبجديّة
قد...
يَشتاقونَ سفري
بينَ أروقَةِ الكلمات
أو يفهمونَ غُربَتي
إذا ما حلَّ عيدٌ
وتَمنَّعَت حبيبات
أو اشتدَّ بردٌ
ليستَلَّ من ريقِ الفقراءِ طراوةَ القبل
أو نادى الوطنُ
فتصدَّّت جوازاتُ السّفر

ويصرُخونَ في ذكرايَ
كم أَسْرفَت في حبِّ البلاد
حتّى عَرَّت ما تبقّى من سترِها
وأَذلّت بكاءَنا الطّويل عليها
فهَجَرْنا قصائِدَنا
...
قصائدي وأَعترفُ
لكأنّها لغةُ الحريرِ
أكبرُ منّي
ومنهم
ومن فواصلِ التّاريخِ لا نختارُها
ولكن ... تُحرِجُنا

قصائدي
أنا أعترفُ
كأنّها لغةُ الحرير
وكأنّيَ الزّمنُ الضّوئيُّ
لا ينسى أمجادَه
يرتحِلُ بابن خلْدون أينما حلَّ
شاهدًا على الفضاءاتِ...
ليُقيمَ في السِّرِّ أعراسَها
ويَترُكَكم للموتِ يُعدّدُ كُفرَكم
كم جثّةً نسيتُم على سلالِمِكم
كم خُطافًا لم تسعفُوه بالزّيتِ المقدّسِ
كم مدنًا هجّرتُم أنبياءَها

وكنتُ المُحاصرَةَ برفاقٍ
أُسْمِعُهم صلواتِ اللّيلِ فيتذمّرون
"لا المدُّ مدٌّ...
لا الضّمةُ تضمُّ للقلبِ فرحًا كذُوبا"
...
وكُنتُ المُطارَدَةَ بأقوالي...
منبوذَة في وطنٍ نصفُه شعر
لأنْ لا تُسمَعَ أشعاري
...وكنتُ التي لا تُغريكم طبولُها
وكنتُ التي ألهاكُم عنها تكاثرُكم

وقلتُ
سأترُكُكم لأعمدةِ الوقتِ
تُملي عليكم سننَ الجاذبيّة
قلْ
ما تشتهي الأرضُ أكثرَ
... من دورانِها
وما تستطيعون لها أكثرَ
من غثيانِكم


لكنّهُ الوطنُ
لا يتّسِعُُ في قلوبٍ ملؤُها ضيقُ...
لا القبابُ تُأتي حليبا
لا العناقيدُ المصلوبَةُ على المساجدِ
تُسكِتُ رُضَّعَ المدينة...
طِرْ بي يـــا حصانَ الصّمتِ...طِرْ
ذي قصائدُ برزخٍ
لا تعرفُ الملح
وأنا شاعرة
لا أستطيعُ للماءِ شيئا
ولا للّرّيح



تونس2002


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حـــمّـــى القصائد

صباحَ الحكاياتِ الزّهريّةِ يا صبايا المدرسة
صباحَ اللّقاءاتِ الخاطفة
تُشعِلُ عمرًا
تُذهبُ آخرَ
صباحَ مناديلِ الوداع
تَطويها القاطِراتُ وتمضي
...
كأنَّ كلَّ الأحبّةِ عائدون

صباحَ المقصّاتِ يا حلاّقَ الملك
صباحَ الأسرارِ في مقهى الدّبّاغين
خافتةً...
تخرُجُ من بين الصّلبِ والعذاب
تخرُجُ...
لعنةً على القائلِ
على النّادلِ
على حبّاتِ السّكّرِ
على رائحةِ النّعناعِ
إن هيَ طارَت فأفشَت
ما ضاقت بهِ الضّلوع

يا بحرُ...
خُذْ كتمانَنا وارحلْ
أو ارمهِ خلفَ ظهرِكَ
خشيَةَ تَكَلُّسِ الملحِ فيكَ
أو ارمهِ خلفَ ظهرِكَ
خشيةَ أن تَفيضَ بهِ
خُذْ ما أوتينا من كتمان
واتنا ما شئتَ من لغةٍ
صباحَ الصّباحاتِ يا لُغتي

تمّحي التّقاسيمُ
ويبقى ابنُ منظور
فرِحًا
مُتأَبِّطًا لسانَهُ السّحريَّ
تُراقصينَهُ
وتحُطّينَ على شفتيْ درويش
المجدُ لهذا الدّرويش
كيف صيَّرَ الأسماءَ غيومًا
لِيقفِزَ إليها متى شاء
المجدُ لَهُ
كلّما أمطرَت ذكرناهُ قائلين
هل تُمطِرُ في يافا
وهل يعودُ البحّارُ آمنًا

وقضى شِعرُهُ أن نحمِلَ الجرحَ سويًّا
لنبكي قِلاعَنا إذ تهاوت
في النفسِ
نُقعْقِعُ بالكلماتِ
ونسألُ
صباحَ الصّمت
أما من أحدٍ يردُّ السّلام؟

صباحًا
لا يَهُمُّ إن سألْنا كيفَ تَكونُ البِداياتُ
صدفةً نولَدُ
لسنا نعلمُ كيفَ رقصت اللاّمُ في كفّ اللّغة
نولدُ
حَبّةَ قمحٍ
لسنا نعلَمًُ كيفَ تُصبحُ الحبّةُ
انتفاضةَ خبزٍ
ونعجبُ
ما اللغةُ يا لُغتي إن لم يشبعِ الفقراء؟

كم بسطتُكِ للّذينَ أحبَبْتُهم
فخذلوني
حيّةً
أَسرعُوا إلى دفني
ومعي تفاصيلُ تاريخِهم
بالأبيضِ والأسودِ
ومعي حُبيباتُ عنبٍ
كنتُ أنوي نثرَها بالمشرقِ
ليَتَوحّدَ المذهبان
ومعي تَوجّسُ أمِّي من أحلامي
لا تَقْرَبي الحكّامَ طفلتي
إنّهم إذا حكمُوا ظلموا

لَهفي على ليلِ الشّعراءِ
ما أطوله
أطفالٌ يرعاهم حزنُهم
عسى أن يكبروا
ولا يكبرون
ونرى صباحاتِنا تَذوي
كأنّها
تستعذِبُ حُمّى القصائدِ
ونرى الحليبَ الدّافئَ
يقطُرُ من عينِ أمٍّ حنون
تُحمّسُنا لنُراقِصَ المفرداتِ
والمفردات
وتُزيّنُ لنا الأماني
نُطلِقُها...
ثمّ نُلاحقُ أطيافَها
في خفقانِ الورق

ما أرحبَ الكلامَ إن اتّسعَ
لأصغَرِ الأماني
أصغرُ الأماني بحرٌ
يدخُلُ من ثقبِ الباب
ليسكُنَ في عيْنيْ أحمد

خُطافٌ ينقُرُ الشبّاكَ
يُترجِمُ إيقاعَ شوقِ حبيبَةِ أحمد
شمسٌ
تُثبِّتُ على أرضِ أحمد
ظلَّ أحمد
هل كثيرٌ على أحمد
أن يحمِلَ صباحَهُ في كفّيهِ
ولا يسرِقُهُ الغراب
هل كثيرٌ على شاعرٍ أن يقول
صباحَ الوطنِ يا أحمد.

طوفي بي يا مفرداتي طوفي
تهوي مدنُ الأشباحِ ويبقى
رقصُكِ الأُرجواني
تَطوفينَ بنا
وتَطوفين بهم
وتطوفينَ حتّى....
يُغالِبنا الكلام


تونس 2003

[1] أطول وادي يشق البلاد التونسية
عمر بن أبي ربيعة.[2]

الثلاثاء، 12 جوان 2007

مسرحية خمسون في الأوديون


نص ترجمته الشاعرة للملحق الثقافي منارات بجريدة الشعب
مسرحية خمسون للجعايبي وبكار تضرم خمسون سؤال وسؤال
لم كل هذا العري... لماذا اتسعت بهرة الضوء...لماذا تمطّت الخشبة حتى شملتنا جميعا...كيف تقلصت المسافة فتجردنا من مقاعدنا الباردة وتوحدنا في وهج الانفجار...من سيعيدنا إلى تخفّينا...من سيزرر معاطفنا ليمنع عنا حرارة الفكرة...كيف سقط القناع... «في المسرح اليوناني القديم كان الممثل يضع على وجهه قناعا عندما يقوم بالتمثيل وكان القناع إما مضحكا أو موحيا بالأسى، والجمهور في ذلك المسرح العريق كان يدرك الغرض ويفهم المرمى من وجود القناع...وقد زالت الأقنعة من المسرح مع التطور وبمرور الزمن(السياسة والمسرح، علي عقلة عرسان، الدار العربية للكتاب، ليبيا 1991، ص 281) في المسرح الحديث، مع الفاضل الجعايبي وجليلة بكار سقط القناع عن المشاهد أيضا...لم يستثنيا أحدا...أقحمانا عنوة في لعبة الرداء الأسود...أوهمانا بأن سوءاتنا مستورة وأن ما لفّنا من أقمشة وألبسة إنما هو كاف ليكون قناع أيامنا...فجأة أدركنا أن حقيقتنا تكمن في عراء الركح...لماذا اختارت جليلة بكار والفاضل الجعايبي أن ننزع أقنعتنا لنأتي إلى الركح عراة حفاة. كان الانفجار التسونامي كافيا حتى ينتبه كل جسد إلى تشرذمه إلى الخمسين جزء...تشظت الأشلاء وانتهت اللعبة الانشطارية...بعد «جنون»، بعد الازدواجية والانفصام... بعد أن أيقنا أننا اثنان في كفن...دخلنا مع الثنائي زمنا عنقودي التكوين... خمسون ألف متر مكعب من هشاشة الشخصية التونسية...فسيفساء أحلامنا...مربكات ثقافتنا...قطع مؤلفة من حداثتنا...استقلالنا التابع...أجزاء عروبتنا...تفاصيل ذكورية النسوية فينا......مثقفنا الشرطي...شرطينا العاطفي...تفاصيل وتفاصيل تتشكل أمامنا فوضى من العنف الذي يستثير سكوننا الموهوم للنزع عن وجوهنا الأقنعة ونخرج من خمسين استفهاما جارحا يطرحه علينا استفزاز ركحي يمتد على مساحة ساعتين والنصف من نصف قرن من استقلال البلاد...قبل أن تستوطن خمسون المسرح التونسي، عُرضت المسرحية على خشبة مسرح «الأديون» الباريسي فكانت بذلك المرة الأولى التي تُسمع فيها العربية في الأديون...اختار الفاضل الجعايبي وجليلة بكار تفتيح جراحنا على ركح شهد روائع موليير وجان جينيه...بشغف انتظرنا أن نحظى بعرض «خمسون» على مسارحنا التونسية...ولكن قبل أن يأذن الرقيب عشنا ألم الحرمان لولا تلك المقالات التي كانت تغذي لهفتنا إذ نطالعها هنا وهناك...الفاضل الجعايبي «إرهابي» على أبواب الحي اللاتيني هكذا عنون بيار أبي صعب مقالا نشره في صحيفة الحياة الصادرة بتاريخ 8 جوان 2006. في هذا المقال اختار أبي صعب وهو المختص في النقد المسرحي أن يذكر بمجد مسرح «الأديون» الباريسي...هذا المسرح الذي شهد منذ أربعين سنة اشتعال معركة شهيرة على إثر عرض نص جان جينيه «السواتر» بعدها اشتعلت معركة أخرى حول إمكانية عرض مسرحية خمسون في تونس. وكأن صاحب المقال قد تنبأ بما سيحدث « ومن المتوقع ان تثير مسرحية الجعايبي التي شارك في تأليفها مع رفيقة دربه الممثلة جليلة بكار سجالا واسعا يتجاوز حدود الحي اللاتيني إلى عواصم عربية عدة أولاها تونس فالمسرحي المشاكس يعري مجتمعه ويسدد إصبع الاتهام إلى نخب بلاده والقائمين عليها محملا الجميع مسؤولية هذا الانحطاط العبثي الذي يحول راهننا السياسي والحياتي والفكري براكين متفجرة»كان مقال بيار أبي صعب ناقوسا يدق للفت انتباه المشاهد العربي والفرنسي أيضا إلى أن هذا المسرح، عربي اللسان، إنما هو موجه للجميع، لأن العنكبوت قد حاكت بيتها في أوسع مما يظن الجميع. لذلك يجوّز أبي صعب تسمية الجعايبي مجازا بالإرهابي «إذ أنه ينقل العنف السياسي والاجتماعي الذي يعيشه العالم العربي إلى قلب المسرح الفرنسي « هذا العنف المعمم الذي يموقعه الفاضل الجعايبي على خشبة المسرح «باعتماد العنف المؤسلب وتقنيات مسرح القسوة للغوص في جراح الجماعة والمواضيع المؤلمة من ضمير الإنسان العربي المعاصر».أجساد رهينة تخرج على ركح الأديونهو «الحامل لأسئلة نادرا ما تطرح على الساحة الفرنسية» هو الفاضل الجعايبي مثلما قدمته الصحفية ميّ بوتييه في صحيفة Libération في عددها الصادر في 11 جوان 2006. كتبت الصحفية محدثة عن الفاضل الجعايبي و «كيف تمكن بأسلوبه الساخر من طرح تلك الأسئلة» بعيدا عن المسرح التوثيقي وبلغة ركحية جادة تتداخل فيها الظلال مع الأجساد. كما في «جنون» كان دخول الممثلين إلى الركح هادئا للغاية، ها هنا ممثلو الجعايبي نساء محجبات ومنهن تنبثق طاقة مذهلة يتلقاها الجمهور» من الهدوء الظاهر تتناسل دوائر الصراع. من الأجساد المغطاة يأتي عري الأسئلة المجتمعية الأكثر إلحاحا الآن هنا»إذا كان الفاضل الجعايبي يساءل التاريخ السياسي والمجتمع التونسي الحديث فهو في ذات الحين يثير تلك الإشكاليات من خلال الطاقة الجسدية لمسرح كوريغرافي في كل مليمتر على ركحه» ترتيل متناغم هو الصدى الجسدي والصوتي والبصري لانفجار الجسد المتشظي للمدرّسة المنتحرة نحو إعادة ترميم أشلاء الجسد المجتمعي بكامله.خمسون: رقصة الموت التونسيحوارية بين النص والنص، بين السلفية والصوفية، بين الدغمائية والتنويرية. حوارية بين شخصيات جاءت إلى الركح بتاريخ واحد ولكن بقراءات مختلفة»كل شيء قد قيل انطلاقا من حركات الصلاة» إنها رقصة الموت، رقصة الحجاب يتمايل على إيقاع خطاب حداثي وآخر سلفي يحاول أن يكرس الشريعة الإسلامية كحل لاسترجاع مجد الأمة. هكذا شخصت فوزية الزواري ذاك الصراع الموجع الذي دار بين شخوص جليلة بكار في خمسون. لكن صاحبة المقال الذي نشر في Jeune Afrique في عددها الصادر يوم 18 جوان 2006 تتسائل عن البعد المأساوي الذي اتسمت به المسرحية حيث تقول «لكننا نستغرب إذ أن هذا السيناريو الكارثي قد اتخذ من تونس مسرحا له. لا تاريخ البلاد ولا عاداتها يمكن أن يوحي بأن أمرا كهذا يمكن أن يحدث رغم هذه العودة الملحوظة للحجاب. الحجاب على الطريقة الإيرانية يبعد أحداث المسرحية عن الواقع التونسي بل انه يبدو قناعا غير مناسب بالمرة لحامليه. كما أنه من الصعب أن نتقبل هذا الإرهاب الذي يمكن أن تكون النساء بطلاته». في هذا المقال تعرضت الكاتبة إلى الأسلوب المباشر والوضوح الشديد الذي طغى على نص المسرحية «مع أن النص قد تميز بذكاء حاد على مستوى التحليل إلا أنه لم يترك للمشاهد أي مجال للتأويل أو الاجتهاد الشخصي».في شهر جوان الماضي طرح مقال فوزية الزواري عديد الأسئلة على الجعايبي وجليلة بكار تاركا للتاريخ وحده شرف الإجابة. لكن يبدو أن هذا الأخير لم يتأخر كثيرا.

لا عواصم الا حيث استوطن الشعر


نص نشرته الشاعرة بالملحق الثقافي منارات بجريدة الشعب التونسية
عندما تحزم حقائبك باتجاه الجزائر فأنت تحزم شوقا موحشا نحو ملامسة ضلعكَ المائي الآخر... تحزم لهفتك على تلك العربية المائية الشديدة والعذبة في آن...تحزم حنينك إلى أصدقائك المائيين القدامى...أولئك الذين لم يجرفهم سيل الدم...تحزم تطلعك إلى وجهك في جبال ملامحهم... تحزم رهبتك من عيني الأمير عبد القادر والطاهر وطار وزهور ونيسي والبحري الحمري وعبد العزيز غرمول وأحلام مستغانمي وكاتب ياسين ومرزاق بقطاش وفائزة مصطفى وعبد الناصر خلاف وعبد الرزاق بوكبة وآخرين ممن لن يسهو عنهم القلب اللغوي...في مطار الجزائر، العاصمة الثقافية العربية لسنة ألفين وسبعة، كان كل شيء يوحي باستعداده لاحتضاننا... القهوة المعتقة يحملها المضيف في تواطأ جلي مع بياض أوراقي... الاستدراج الشقي الذي تتفنن في ممارسته الجبال الشاهقات المترامية حول شباك الطائرة... أعوان الجمارك وهم يوشوشون لبعض «إنهم جاءوا من أجل ليالي الشعر...» أسماءنا المعلقة على قلوبهم في بهو المطار: محمد الصغير أولاد أحمد، يوسف رزوقة، يسرى فراوس«هذه هي الجزائر أخيرا... حبيبتي التي بقيت جالسا في غرفة انتظارها ثلاثين عاما حتى سمحت لي بدخول مملكة عينيها السوداوين وأذنت لي أن ألثم يدها...» (نزار قباني) سطا علينا المكان فزمّ كل منا شفتيه... قسّط أنفاسه ودسّ شهقة الأطفال بين أضلاعه...لا وقت في حضرة الجغرافيا الجزائرية الناهدة لنثر أرضي... شعرية المكان المتعالي تصّاعد بأنفاسنا نحو النص... نحو «الكلام العالي...»في فضاء تعتد به الجزائر الشابة، في فضاء المكتبة الوطنية الجزائرية كانت الأعين تسري في الجسد المائي فتتخلل مسام الروح... تواعدوا على الشعر فاجتمعوا في قاعة الشاعر محمد الأخضر السائحي...لقد تعودوا على تظاهرة ليالي الشعر فبعد الليلة العمانية، جمعت الليلة الشعرية الثانية كلا من العربية السعودية وتونس وكأن الجزائر تصل الأكوان بالأكوان... افتتح الأمسية مدير عام المكتبة الوطنية الروائي أمين الزاوي بكلمة حيى فيها الشعراء من تونس ومن العربية السعودية وهم هدى الدغفق وعادل خميس الزهراني وريم الفهد والغاوين الذين تورطوا في النص. بالنثر العالي أعلن الروائي أمين الزاوي تلبسنا بالفضيحة البهية، فضيحة الشعر، ذلك الذي هو «صلاة الصلوات جميعها... متراس ضد ثقافة الكراهية... تناغم الأرواح... لمّ الأطراف، من جزيرة العرب إلى عرب الغرب كانت كلمة الافتتاح بيانا ملغوما ضد الوهم...إعلانا عن تشكل إمبراطورية الجمال... تلك التي نزول بزوالها... تلك التي هي الكوجيتو الحقيقي لعربيتنا العربى... ومن أعلى إلى أعلى...خاتلتنا الشاعرة السعودية هدى الدغفق صاحبة المجموعة الشعرية «الظل إلى أعلى» بنص يستل شعريته المرهفة والمتمردة في آن من سواد عباءات النساء السعوديات اللواتي يلتحفن عراء اللغة فوجدنا أنفسنا ممسكين بتلابيب الثوب وكأننا نسامق الذاكرة نحو فوهة الحلم:«أحيانا أبكي هذا القمر المتسلق غرفتناما ذنب عقاربه تضيءأسلمه الوحدة كل مساءيسلمني عينه العاشقة» ولأن الشعر هو ضفة الألغام الأجمل فقد حيكت الحكاية بين نص سعودي ونص تونسي التقيا في الممرات السرية لانزياح المعنى فكان أن قرأ يوسف رزوقة نصين مفخخين وهما محاولة لمحو الجبل والذئب في العبارة التي جاء فيها«ولا تاء في طاعتيلأؤنث شكلي وأجعلني زوجة لي»هو القلب لا يقوى على سطوتهم... يمررون الكلام في شرايينك... في خلاياك...تتحد معهم في المعنى... تماثلهم التنافر... تبادلهم الاستعارة... تتداعى حين يصرخ في وهران شاعرها ابراهيم صديقي ليعلن أنه لا شيء فيها يُحب وإنما حبها عنده هو من قبيل الالتزام... يساورك الشك حول ذاكرة المكان لتجزم انه على رأي الشاعر الجزائري حمري البحري: «ما المكان إلا أنت يا جزائر»...وتترنح فحين يغني الشاعر الجزائري جزائرنا القلبُ حباتُه تترنح«لم يبق لي من الوقت ما يكفيلأصنع أرجوحة لأحلاميوهذا السنونو يبني أعشاشه في سقف أياميوتطير في أفقلم تعد عيناي تقوى على قبض مداه»قرؤوا نصوصهم الآسرة... عمودية تصالح أذنيك على بقية أعضائك، ونثرية ينزل بها عبد الرزاق بوكبة على جسدك فيفك شفرة تماسكك المجازي ويموقعك في جغرافيا التداعي الجميل... ولأن إصغاءهم يحفّز خلاياك الشعرية... ولأنه لا يصبر على الأذى الجميل... فقد قرأ محمد الصغير أولاد أحمد نكاية في أولئك الذين يكيدون للحياة «لا تنس دورك في الحياة»«أمشي مع الشعراء دون حراسةفي المهرجان مسلحا بمترجملكأن الشعر وهو ظلي واقفليس التدرج في صعود السلم»... طواف بالنص في النص... قرأنا داخل فضاء المكتبة الوطنية... إلى شاشة الافتضاح الشعري على لسان الشاعرة ربيعة جلطي... إلى الأزقة حيث الجدران مملكات الشهداء الشعراء... إلى المكتبات ذات الأسماء التي لا تجدها إلا في الجزائر «مكتبة العالم الثالث» على سبيل الغزل... إلى ساحة الشهداء حيث يعلن العشاق ما به يقتات الشعراء والأنبياء...إلى المقاهي حيث جهاد فاضل وشوقي عبد الأمير وجيلالي نجاري وعبد الرزاق بوكبة... حيث الازدحام بأسئلة الشعر والحداثة والكونية والعراق...طواف بالنص في النص... كل شيء يدور من حولك ... كل شيء متحرك متدحرج نحو الأعلىالجزائر... بشعريتها الشاهقة... تدرأ عنها كل الشبهات لتنفرد بالشعر...الجزائر هنا الآن تعلنها ...لا عواصم إلا حيث استوطن الشعر...


تظاهرة في بنعروس



محاضرة، شعر وموسيقى احتفالا بالمرأةعلى غرار الاتحادات الجهوية كافة أشرف الاتحاد الجهوي للشغل بجهة بن عروس على فعاليات اليوم العالمي للمرأة الذي أحيته اللجنة الجهوية للمرأة العاملة والذي كان شعاره هذه السنة لا لتحميل المرأة مسؤولية أزمة التشغيل وقد تضمن برنامج الاحتفال محاضرة قانون العمل نصف الوقت بثلثي الاجر قدمتها الاستاذة المناضلة حفيظة شقير، وعرض شريط قصير بعنوان حكاية امرأة وعرضا موسيقيا أمّنه الفنان همال قلة وقراءات شعرية أثثتها الشاعرة يسرى فراوس والشاعر سليم ساسي وقد امتدت الاحتفالات على مدى يومي 16 و17 مارس.نقاط مضيئةفي اليوم الاول لهذه التظاهرة التي افتتحها الاخ المنصف اليعقوبي الامين العام المساعد المسؤول عن قسم المرأة والشباب العامل والجمعيات وحضرها عدد كبير من مناضلات ومناضلي جهة بن عروس واللجنة الجهوية بسوسة وجمعية النساء الدمقراطيات ذكر الاخ الامين العام بان تواجد المرأة بنسبة 45 في المنظمة الشغيلة يجب ان يكون حافزا لتواجدها في مواقع القرار خاصة وان الاتحاد العام التونسي للشغل مؤمن بحقوق المرأة ومقدر لنضالاتها الجبارة.في مداخلة الاستاذة المناضلة حفيظة شقير التي قدمتها الاخت وسيلة العياشي منسقة اللجنة الجهوية للمرأة العاملة ببن عروس ابرزت ان العمل بنصف الوقت مرتبط بالحق في العمل الذي هو مكسب من المكاسب التي تتمتع بها النساء في العالم ولا يمكن التفريط فيه هو والحق في التعليم وقد ضربت مثلا على ذلك بصمود العاملات في وجه التسريح وإغلاق المؤسسات، كما اشارت الى ان الحق في العمل يجب ان يكون معزّزا بالحق في اختيار المهنة وفي الترقية وفي الضمان الاجتماعي والحماية من أي تضييقات او عنف او تحرّش جنسي... وبلغة القانون بلغت المناضلة حفيظة شقير الى كافة الحاضرات والحاضرين ان النضال من اجل الحقوق والاستماتة فيه هو الدّرب الذي لا محيد عنه لان الحقوق لا توهب ولا تعطى وقد شُفعت محاضرة الاستاذة شقير بنقاش ثريّ طرق من خلاله الحضور أكثر من نقطة وأكثر من استفهام.ضفاف الحلمفي اليوم الثاني لفعاليات هذه التظاهرة عاش مناضلو ومناظلات جهة بن عروس على وقع الثقافة البديلة، ثقافة الصورة واللحن والكلمة حيث امّن الاتحاد الجهوي بالجهة امسية فنيّة تناوب فيها السينما والموسيقى والشعر اذ تم عرض شريط قصير بعنوان «حكاية امرأة» شُفع بنقاش ثريّ وغنّى الفنان جمال قلة أغاني للصغير اولاد أحمد ولفؤاد نجم مؤكدا على لسان اولاد احمد ان نساء بلادي نساء ونصف وقد تخللت الامسية الموسيقية قراءات شعرية امنها الشاعر سليم ساسي الذي قرأ «كرسي البي» و»كونداليزارايس» في حين قرأت الشاعرة يسرى فراوس قصائد «حمّى القصائد» و»الانشطارية» و»صلوات الليل» مختتمة بذلك هذه التظاهرة التي أبلى كل من الاخ محمد المسلمي الكاتب العام للاتحاد الجهوي ببن عروس والاخ رضا بن حليمة والاخت وسيلة العياشي والاخت رفيقة الهمامي في تأمين فقراتها بالشكل الذي يدفع إلى الامام بوعي نساء الجهة عموما ومزيد تأطير نضالاتهم.
ناجي الخشناوي
جريدة الشعب التونسية

المسيرة العالمية للنساء


نص الناشطة الحقوقية الشاعرة والمحامية يسرى فراوس من موقع المنتدى الاجتماعي المغاربي بوزنيقة
خطوة... خطوة... نمشي خطوة...خطوة لتغيير وجه العالم.... إنها خطوات النساء الثابتة والمحلقة في ذات الحين خطواتنا هذه انطلقت تلبية لنساء من الكيباك عندما نهضن احتجاجا على تفقيرهن وافتقارهن من المعنى وقمن بمسيرات طيلة عشرة أيام كانت ترجمة لمشاغل وأحلام النساء ونادت نساء الكيباك كل النساء في كل مكان من العالم للالتحاق بمسيرتهن وللمطالبة بالمساواة والتوزيع العادل للثروات.في سنة 1995 بدا النداء حالما للغاية إلا إنها إرادة النساء ففي سنة 2000 تجمعت نساء من القارات الخمس نساء من 146 بلدا تعطينا شارة انطلاق المسيرة العالمية للنساء. في سنة 2000 قدمت النساء تصورهن للألفية الجديدة وطالبن يالاقامة الامثل والأجمل على الأرض، إقامة تحترم الحق في الكرامة في المواطنة في الحرية في التوزيع العادل للثروات وفي الحرمة الجسدية... ولأنه ليس بامكان مناضلات الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن يتجاهلن هذا النداء ولان التضامن بين نساء العالم هو السبيل الامثل لمقاومة تفقيرنا وتعنيفنا ثم لان مطالب المسيرة ونضالاتها يتفق مع نضالاتنا وتطلعاتنا كنسويات تونسيات لاستجبنا طائعات لنداء "الخبز والورود" وهتفنا مع كل نساء العالم : ثمة ألفا سبب وسبب للمسيرة...ثمة عولمة تفتك باستقرارنا وبمواطنتنا وبوجودنا الكريم،ثمة تسريح لآلاف العاملات والعمال بعد استنزاف طاقاتهن وطاقاتهم،ثمة شابات وشباب عاطلون عن العمل وصاحبات شهائد وأصحاب شهائد معطلون عن العمل تلاشى زبد أحلامهم على ضفة العمر ثمة عينا رقيب تلاحقنا في كل حين وتحاصرنا فلا تأخذها سنة ولا نوم ولا قواعد الديمقراطية المرجوة، ثمة أفكار سلفية كالسرطان في رئة الحداثة المنشودة، ثمة ميثاق عربي لحقوق الإنسان والنساء ...وثمة...وثمة... ولعله حري بنا التساؤل مع الشاعر التونسي المناضل عادل المعيزي في هذا المقام "فهل نحن جمرة في بلاد تئن من البرد" ...نعم إننا جمرة الأرض وشعلتها لأننا الطاقة المنتجة للبشرية وللثروة.... ولذلك فنحن نرنو ككل نساء المسيرة إلى تعبئة الرأي العام الوطني والعالمي، داخل البلاد وبنبض نساء تونس وخارجها، في المحافل الدولية ولدى الحكومات والمؤسسات المالية والاقتصادية ولدى أصحاب القرار أيضا للعمل من اجل القضاء على الفقر الذي ترزح تحت نيره النساء.في سنة 2000 عندما انخرطنا في هذا المشروع دعونا رغبة منا في فك الحصار المضروب علينا وتأكيدا على إن حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ،كل من جمعية المساء التونسيات للبحث حول التنمية والرابطة التونسية للمحامين الشبان وفرع منظمة العفو الدولية بتونس وقد لبوا النداء جميعا لتنسيق كل التحركات التي خاضتها الجمعيات المستقلة المشاركة في المسيرة العالمية للنساء.في هذا الإطار انطلقت المسيرة بجملة إمضاءات واسعة للبطاقة البريدية الموجهة إلى أمين عام منظمة الأمم المتحدة والتي تضمنت مطالب النساء المشروعة كما نظمت عديد الأنشطة المندرجة في إطار ما يسمى بالتربية الشعبية على حقوق النساء.الى جانب هذه التحركات والتحركات والتظاهرات التي قمنا بها للتعريف بالمسيرة والتحسيس بمطالبها أعدت جمعيتنا كتيبا يضمن المطالب الخصوصية للنساء التونسيات وهذا الكتيب يمثل وثيقة هامة استندت إليها الجمعية في عديد الخطابات النضالية وقد أثار ولازال يثير جيلا يدعونا اليوم للتفكير حول كيفية تحيين هذه المطالب وتطويرها وهو ما ننوي القيام به هذه السنة 2005. 2005 هو موعد جديد لدغدغة الحلم ودعوته للرقص معنا على إيقاع الحياة في رفض لكل أشكال اضطهادنا ،إننا اليوم على موعد مع ذات المطالب وبذات الإصرار ولكن في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية نتفق على أنها أسوا،فالعنف كأحد مظاهر التمييز ظاهرة اجتماعية لم تفتا تستفحل يوما بعد يوم وذلك كاستتباع لتردي الأوضاع الاقتصادية لمجتمعنا.صارت نسبة تفقير النساء مفزعة والعولمة تكشف عن وجهها الابشع في بلدنا مثل سائر البلدان المختلفة،لذلك وبالتركيز على هذين البعدين للمسيرة العالمية للنساء يكون التفكير والعمل والتحرك من اجل القضاء على الفقر وعلى العنف مثل جسرنا الرابط بين تاريخي سنة 2000 وسنة 2005 ،ثم ولان هذين المستويين يمثلان العمود الفقري لكل برامج الجمعية فان استئناف تحركنا في إطار المسيرة العالمية للنساء اخترنا أن يتم يادراج نشاطات الجمعية في هذا السياق فكان أن أعلنا في 8 مارس .... وبحضور عدد من ناشطي الجمعيات المستقلة الحاضرة معنا للاحتفاء باليوم العالمي للنساء عن فكرتنا ودعوناهم للتنسيق والعمل المشترك فلبت هذا النداء كل من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي وفرع تونس لمنظمة العفو الدولية والجامعة التونسية لنوادي السينما ولجنة المرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل. ومعا انطلق عملنا فعليا تنظيم ورشات لمناقشة الميثاق المسيرة العالمية للنساء وقد اقترحنا إضافة عديد النقاط الخاصة بمطالبنا كتونسيات ومنها رفع التحفظات عن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء، تم التنصيص على مطلب المساواة في الإرث والتأكيد على حق الشعبين الفلسطيني والعراقي في تقرير مصيريهما وقد وقع تبني الميثاق بكيقالي في ديسمبر 2004 وجابت الوثيقة كل محطات المسيرة العالمية للنساء.في ذات الإطار كان لنا كتونسيات وكجمعيات مشار بترجمة الميثاق العالمي للنساء إلى اللغة العربية ويحتوي الميثاق على مطالب نساء العالم وكذلك على القيم الخمس التي ندافع عنها في سبيل تغيير وجه العالم وهي قيم المساواة والتضامن والحرية والعدالة والسلم.لهذا ارتأينا أن يكون شعارنا كتونسيات 2000 سبب وخمسة قيم لمواصلة المسيرة وتجسيدا للروابط التي تجمع كل نساء العالم اقترحت منسقات المسيرة العالمية للنساء أن تعد نساء كل بلد لحافا مطرزا يدويا وفيه مطالبنا وبعد تجميع كل قطع القماش سيتسنى أن يتجلى تضامننا من خلال لحاف يكسو الأرض بحلم " الخبز والورود " وقد أعددنا بدورنا هذه القطعة القماشية لإتمام المشهد النسائي العالمي.كانت لنا بالإضافة إلى ذلك تحركات ميدانية فقد أمضينا كأطراف منخرطة في المسيرة العالمية للنساء بيان مساندة للنساء ضحايا القمع البوليسي في مصر ونحن بذلك نشد على أيديهن في مواجهة الاستبداد والفاشية. ميدانيا تنقلنا عدة مرات للمؤامرة المادية والمعنوية لعاملات فنطازيا كي نحيي صمود تونس في مواجهة وحشية راس المال والآن ولان 3و4 أوت هما يوما المحطة التونسية للمسيرة معكم وبكم . وقد اخترنا أن يتخذ هذا اللقاء بعديه الفكري والثقافي وسنعمل وحتى 17 أكتوبر تاريخ اليوم العالمي للقضاء على الفقر على أن نسير داخل البلاد محملين بهذه الآمال والمطالب.نحيي صمود النساء التونسيات وكل نساء العالم في وجه العولمة الرأسمالية ونؤكد على تضامننا مع كل قضايا النساء المشروعة فثمة ألف سبب و5 قيم لنواصل المسيرة.

فصل من رواية ثلج لأورهان باموك


نص ترجمته الشاعرة للملحق الثقافي المنارات
اي نوع من الشعر تكتب عند العشاء، فيما يتعلق بالحب والحجاب والانتحار
شاهدوا الجمع امام مسرح الأمة ينتظر بداية العرض وبالرغم من الثلوج التي تتساقط كأنها لن تتوقف أبدا، وبالرغم من صعاليك العاطلين وشبان مرتدين قمصانا وجمازات وتلامذة معاهد فارين قدموا من منازلهم ومن مبيتاتهم لتمضية الوقت والاستمتاع، كلهم تجمعوا هناك على الرصيف امام باب البناية القديمة التي يبلغ عمرها مائة وعشر سنوات، وكان هناك ايضا عائلات كاملة العدد.وللمرّة الاولى شاهد «ك» مطربة سوداء مفتوحة وكانت «كاديف» تعرف انه في البرنامج قصيدة لـ «ك» ولكنّها تجنّبت الموضوع متعذّرة بانها لن تذهب وانها من جهة اخرى ليس لديها وقت.كان يشعر ان هناك قصيدة جديدة على وشك الانبثاق. سارع الخطى في اتجاه النزل محاولا ألّا يتكلم ومتعللا برغبته في تسريح شعره وتغيير ثيابه. صعد دون تأخر الى غرفته ونزع عنه معطفه، وما ان جلس الى الطاولة الصغيرة حتى بدأ الكتابة باضطراب. كان موضوع القصيدة الاساسي الصداقة والمسارّة، الثلج والنجوم وزينة الايام السعيدة وبعض التعابير الصادرة عن «كاديف» كلها كانت كما هي في القصيدة وكان «ك» يكمل بفرح حماسي الابيات كما نتأملُ التناسق في لوحة، الألفاظ المستعملة في حديثه مع «كاديف» تتبع تسلسلا خفيا وفي القصيدة المسماة «صداقة النجوم» تصرف بشكل جعل به لكل شخص نجم ولكل نجم صديق ولكل شخص توأما واخيرا ان يكون هذا التوأم امين سرّ ورغم احساسه بان القصيدة بموسيقاها صارت كاملة الا ان بعض الابيات هنا وهناك وبعض الكلمات لا زالت تبدو مخلّة به وقد فسّر ذلك فيما بعد بأنه يفكر في «إيباك» وبأنه تأخر عن العشاء وكذلك بأنه شديد السعادة.عندما اكتملت القصيدة تحول دون تأخير من غرفته الى شقة مالكي النزل الصغيرة وهناك كان «تورقوت باي» جالسا الى الطاولة الجاهزة وسط غرفة الاكل الواسعة بسقفها العالي محاطا بابنتيه «كاديف» و»إيباك» وكان هناك امرأة ثالثة تلبس الحجاب عرف «ك» فورا انها «هند» وقبالتها عرف «ك» الصحافي «سردارباي».ومن الجمال الغريب والفوضى القليلة للمفرش وأدوات الاكل لهاته المجموعة الصغيرة التي تبدو فرحة باجتماعها ومن حركات «زهيدة» الخادمة الكردية الفرحة والخفيفة والتي تمشي وتجيء بخفة من المطبخ في الخلف الى غرفة الطعام احس فورا ان «تورقوت باي» وبناته جعلوا من هاته الفترات الطويلة في المساء حول الطاولة طقسا.ـ كنت افكر فيك كامل اليوم وكامل اليوم كنت قلقا عليك اين كنت؟ . سأل «تورقوت باي» وهو ينهض واقترب فجأة من «ك» واخذه بين ذراعيه، وظن «ك» انه سيبكي.ـ في كل وقت من الممكن حدوث اشياء رهيبة.قال وعلى وجهه تعبير مأساوي. عندما جلس الى مكانه الذي اشار له عليه «تورقوت باي» والذي كان قبالته في الطرف الاخر للطاولة وعندما بدأ اكل شربة العدس الموضوعة امامه بشراهة وبدأ يشرب «الراكي» مع الرجلين، تحولت أنظار الجماعة منه الى شاشة التلفاز الموضوع خلفه مباشرة مما مكنه أخيرا من القيام بما يرغب به منذ وقت طويل، وهو النظر حتى الامتلاء الى وجه «إيباك» الجميل.انتبها بسرعة الى ان «كاديف» تنظر إليهما عندما إلْتَقَتْ الاعيْن على وجهها، الذي لم يكن اجمل من وجه اختها الكبرى، ارتسمت تعبيرة خفية للخجل، لكن «كاديف» استطاعت في لحظة اخفاءها بابتسامة متواطئة.حول الطاولة كانوا بين الفينة والاخرى يلقون نظرة خاطفة على الشاشة، بدأ البث المباشر لسهرة مسرح الأمة. كان المذيع بصدد تقديم السهرة وهو يتمايل على الركح عندما غير «تورقوت باي» القناة.كان «تورقوت باي» يغيّر القنوات دون انتباه حين توقف عند صورة (ضبابية) سوداء وبيضاء بحبيبات رمادية. قالت «إباك»:ـ أبي لماذا تشاهد ذلك الآن؟»ـ هنا يتساقط الثلج. أجاب والدها.ـ على الاقل هذا، هذه صورة حقيقية، معلومة ثابتة، تعلمين جيدا انه مهما كانت القناة فهذا يغيظني للغاية.ـ في هذه الحالة اذا لماذا لا تغلق التلفاز من فضلك ابي، وتابعت «كاديف» :ـ لدينا جميعا هنا،سبب آخر للحنق.ـ اشرح الموضوع لضيوفنا، يضنيني ان لا افهم. قال الاب معارضا.ـ أنا أيضا.قالت هند. لهند عينان سوداويتان رائعتان. فجأة صمت الجميع.ـ تحدثي بنفسك هند.اقترحت كاديف.ـ لا يوجد امر مخجل في هذه القصة.ـ على العكس تماما ثمة كل دواعي الخجل لذلك اود ان اروي هذه القصة.اضاء وجهها بفرح غريب. ابتسمت كما لو انها تذكرت امرا رائعا «مرّ اليوم على انتحار رفيقتنا «تسليم» اربعون يوما. تسليم أكثرنا استعدادا للجهاد في سبيل الدين وكلام الله وايضا في سبيل ايمانها وشرفها. لم يتوقع اي منا انها يمكن ان تنتحر في المدرسة اساتذتها، في البيت والدها، جميعهم ضغطوا عليها كي تخلع الحجاب لكن «تسليم» قاومت. كانت على وشك التعرض للطرد من المدرسة حيث ستنهي سنوات دراستها الثلاثة المتبقية.ذات يوم حاصر رجال الامن والدها بائع المواد الغذائية وهددوه بغلق محله ان واصل السماح لابنته بالذهاب متحجبة الى المدرسة. بدأ والد تسليم بتهديدها بالطرد من بيته وعندما فشلت مساعيه في إرغامها على نزع الحجاب قرر تزويجها من شرطي ارمل بلغ سن الخامسة والاربعين، من حينها صار الشرطيّ يزور محل والدها محملا يوميا بباقة زهور.لشدة اشمئزاز «تسليم» من الشرطي الذي يسمّونه بالمسن ذي العينين الحديديتين كانت تقول بأنها ستخلع الحجاب فقط كي لا تتزوج من هذا الرجل غير انها لم تستطع أبدا تنفيذ تهديداتها.بعضنا عبّر عن مساندة توعدها لأنها ستنتهي ان ارتبطت بذي العينين الحديديتين. بعضنا الاخر دعاها لتهديد والدها بالانتحار بل حتى كنتُ اكثر من حثها على ذلك لانني لم اكن ارغب في ان تتعرّى «تسليم».كم مرّة قلت لها: تسليم من الافضل ان تنتحري على ان تخلعي الحجاب. لكنني كنت اقول ذلك دون قناعة حقيقية. كنا نعتقد ان الانتحار سَيُرْعبُ والدها لما كُنّا نقرأه في الجرائد حول انتحار النساء لاسباب تتعلق بضعف الايمان ولتبعيتهن الاقتصادية ويأسهن العاطفي لكن لان «تسليم» مؤمنة للغاية لم يخطر ببال أحد أنها ستنتحر.مع ذلك حين تلقيتُ الخبر تقبلتهُ بسهولة، وقبل الاخرين لانني اعتقد انني لو كنت مكان «تسليم» لفعلت نفس الشيء.بَكَتْ «هند» وصمت الجميع. اقتربت «إباك» من «هند». قبلتها ومررت يدها على شعرها ثم فعلت «كاديف» ذات الشيء. قَبْلَتْ الفتيات بعضهن.«تورقوت باي» حاول تجاوز لحظة البكاء بالمزاح، ولفت انتباه الفتيات الى زرافتين تظهران على شاشة التلفاز، ككل الاطفال الراغبين في الترفيه، التفتت «هند» الى الشاشة متناسية وجودها وهي تشاهد زرافتين ترتعان في الظلال في مكان مشجر وبعيد جدا، ربما يقع في افريقيا. أعرف جيدا ما احس به في تلك اللحظة بالذات، بما انّه سجله مثلما هو بعد ذلك في كراسه: سعادة عميقة ودون حدود.كما الاطفال السعيدين كانت ذراعاه ورجلاه تتحركان دون توقف وبنفاذ صبر كما لو انه و»إباك» سيفوتان القطار الذي سيوصلهما في اللحظة ذاتها الى «فرنكفورت»، تصوّر ان نورا كذاك الذي يشع من اباجورة طاولة عمل «تورقوت باي» التي تختلط فوقها الكتب بالجرائد وبدفتر النزل وبالفواتير، ستشع في مستقبل قريب من اباجورة طاولة عمله هو تنير وجه «إباك» في شقته الصغيرة أين سيعيشان معا في سعادة.ـ بعد انتحار «تسليم» قررت «هند» العودة دون حجاب للمدرسة لكي لا تجعل والديها اكثر تعاسة.قالت «كاديف» لـ «ك»:ـ لقد واجها عدّة صعوبات في تربيتها. ربّياها في الفقر كما نُربي طفلا ذكرا وحيدا. كان ابوها وامها يحلمان دوما ان ابنتهما ستهتم بهما فيما بعد فـ «هند» ذكية جدا.كانت تتكلم بصوت هادئ كما لو كانت تهمس ولكن بصوت مرتفع لتسمعها «هند»، وكانت الفتاة وعيناها مغرورقتان بالدموع تسمعها وهي تنظر الى شاشة التلفاز.كالاخرين، نحن الفتيات المتحجبات، حاولنا في الاول اقناعها بان لا تتخلى عن قضيتنا، ولكن بعد ان ايقنا ان نزع الحجاب افضل من الانتحار قررنا مساعدة «هند»، فبالنسبة لفتاة اعتقدت ان الحجاب هو امر من الله وإشارة تحملها كالحلم ليس من السهل تقبل نزعه وقد انزوت «هند» في بيتها منذ ايام للتفكير في هذا القرار.انطوى «ك» كالاخرين على ذنبه ولكن ما لمس ذراعه، ذراع «إباك»، حتى غمرته السعادة بينما كان «تورقوت باي» يتنقّل من قناة الى اخرى بشكل جنوني اسند «ك» ذراعه على ذراع «إباك» لاحياء هذا الشعور وقامت «إباك» بالمثل فنسي تعاسة الجلسة.كانت سهرة مسرح الأمة تبثّ في التلفزة، وكان الرجل الطويل، كساق النبتة، يعبّر عن فخره باشتراكه في اول برنامج مباشر في تاريخ «كارس». كان يقرأ برنامج السهرة وأثناء الثرثرة المصطنعة واعترافات حارس مرمى الفريق الوطني والاسرار المخجلة للوسط السياسي ومشاهد لشكسبير وفكتور هوغو واكتشافات غير متوقعة وفضائح واسماء معقدة لا تنسى في تاريخ المسرح والسينما التركيين ودعابات وأغان ومفاجآت رائعة... سمع «ك» اسمه مصحوبا بعبارة «أكبر شعرائنا الذي عاد الى وطننا بعد غياب سنين» فأمسكت «إباك» يده تحت الطاولة.ـ يبدو انك لا تريد ان تذهب الى هناك هذا المساء.قال «تورقوت باي».ـ أنا مرتاح وسعيد جدا هنا سيدي العزيز.أجاب «ك» ضاغطا ذراعه مرة اخرى على ذراع «إباك».ـ في الحقيقة لا أريد أن أفسد سعادتك.قالت «هند» وتحيّر الجميع لما ستضيف.ـ ولكني هذه الليلة اتيت هنا لاجلك فانا لم اقرأ اي من كتبك ولكن كونك شاعرا وذهبت الى ألمانيا ورأيت بلدانا يكفيني. قل لي من فضلك اذا كنت قد كتبت قصائدا مؤخرا؟ـ لقد جاءني الالهام في كارس.ـ لقد كنت ارغب في أن تشرح لي كيف يمكنني التركيز في موضوع ما. قل لي من فضلك في أي حالة ذهنية تكتب قصائدك مركزا اليس كذلك؟.كان هذا هو السؤال الذي عادة ما تطرحه النساء على الشعراء خلال السهرات الشعرية المنظمة مع القراء الاتراك في ألمانيا ولكن كل مرة كان «ك» يخاف كأن الامر يتعلق بسؤال شخصي جدا.ـ لا اعرف كيف نكتب الشعر. قال. فالقصيدة الجيدة تأتي كما لو انها من الخارج، من مكان بعيد عن ذاتنا. ورأى ان «هند» تنظر اليه بريبة.ـ هل تقولين في ما تقصدين بكلمة مركز؟ سأل.سجلت اجابتنا على ورق وملأت الوثائق الخاصة بنا. كانت شفاهها متبرجة وشعرها مصبوغ. كان شعرها طليقا وكانت انيقة جدّا كأنها خارجه للتو من محل للموضة النسوية ولكن كيف أقولها كانت بسيطة جدا مع ان اسئلتها جعلت بعضنا يبكين الا اننا اجبناها كثيرا. بعضنا صرّحن: رغم ان قذارة ودناءة كراس لا يلطخانها فيما بعد صرت اراها في احلامي دون ان اعير ذلك اهتماما في بداية الامر ولكن الان اجبرني على تخيل نفسي بصدد التنزه دون حجاب، شعري مطلق للريح آراني مثل هذه المرأة المغرية. يمكن ان اكون اكثر اناقة منها. ارتدي كعبا عاليا حادا ولباسا اقصر من لباسها سيهتم الرجال بي. هذا رائع وفي نفس الوقت مخجل.ـ «هند»، إذا لم تكن لديك رغبة لا تتحدثي عن خجلك. قالت «كاديف».ـ إذا كنت أروي ذلك فلانني أخجل من أحلامي. في الحقيقة أعتقد أنني إذا خلعت الحجاب لن أصير مثل النساء المغريات اللواتي تبحثن عن إغراء الرجال، انني سأخلع الحجاب دون قناعة حقيقية ولكن حتى دون قناعة يمكن ان نكون فريسة الغواية وذلك تماما حين نعلن اننا لا نرغب في ذلك جميعنا نساء ورجالا، في الليل في أحلامنا نرتكب الأثام مع أولئك الذين نعلن في النهار غياب اي رغبة تجاههم أليس هذا صحيحا؟!ـ يكفي هند. قالت «كاديف»ـ أليس ما أقول صحيحا؟ـ هذا خطأ قالت «كاديف» والتفتت نحو «ك».منذ سنتين كانت «هند» ستتزوج من شاب كردي مغرور ووسيم جدا غير ان هذا الشاب اهتم بالشأن السياسي فقُتل...ـ لا علاقة لهذا الامر بعدم مقدرتي على خلع الحجاب.قالت «هند» بغضب وأضافت:ـ اذا لم اخلع الحجاب فلانه ليس بامكاني تقديم نفسي بشعر مكشوف على الاقل. لا يمكنني الظهور بتغييرات تجعلني مغرية ومقنعة في ذات الحين.إذا تمكنتُ من شيء فليس اكثر من تخيل نفسي دون حجاب، أفتح باب المدرسة، امشي بين الأروقة، ادخل الساحة الخاصة... إذا، إن شاء الله، إذا وجدت في ذاتي القوة الكافية لفعل ذلك سأشعر بحريتي لانني سأنزع عني الحجاب، برغبتي المطلقة وليس خوفا من الشرطة ولكن في هذه اللحظة، لا استطيع التركيز الى هذا الحد.ـ كُفّي عن إيلاء لحظة خلع الحجاب كل هذه الاهمية فقط لا أكثر. قالت «كاديف» وأضافت :ـ ثم حتى وان توصلت الى هذا الحل فستكونين صديقتنا الغالية.ـ ليس صحيحا. قالت هند، ستتهمونني وتحتقرونني في اعماقكم منذ اللحظة التي اتخذ فيها طريقا غير طريقكم لانني قررت خلع الحجاب. التفتت نحو «ك».لحظة بلحظة أرى فتاة تدخل المدرسة دون حجاب تتقدم في الأروقة تدخل في قسمنا الذي اشتقته كثيرا واذكر حتى رائحة الاروقة واجواء الساحة الخاصة. في هذه اللحظة أرى هذه الفتاة من خلف زجاج النافذة التي تفصل قسمنا عن الرواق وعندما اعي ان تلك الفتاة ليست أنا وإنما غيري تنهمر دموعي.اعتقد الجميع ان «هند» ستبكي من جديد.ـ ليس ما يخيفني هو انني سأصير اخرى بل لانني لن استطيع الرجوع الى وضعي الحالي أو نسيانه في الاصل، يمكن لانسان ان ينتحر لهذا السبب.نظرت الى «ك»:ـ ألم تعتريك الرغبة في الانتحار ابدا؟. سألت «هند» بشكل متحدّ.ـ أبدا، لكن الناس بدأوا يفكرون بجدية في هذا الامر بسبب نساء كارس.ـ بالنسبة لنساء كثيرات مثلنا، الرغبة في الانتحار تمثل رغبة في امتلاك اجسادهن. الفتيات اللواتي فقدن عذريتهن، العذراوات اللواتي ستتزوجن رجالا لا يحببنهنّ جميعهن سينتحرن لهذه الاسباب. الانتحار بالنسبة لهن دليل طهارة ونقاء. ألم تكتبي اي قصيدة عن الانتحار؟.نظرت لـ «اباك»:ـ هل أرهقت ضيفكم. حسنا فليخبرنا اذا ما الذي الهمه هذه القصائد في كارس وسأتركه بسلام.ـ بمجرد ان التقط قصيدة في باطني أمتلئ بالعرفان تجاه الذي ألهمني إياها لانني أحقق نشوة عظيمة.ـ من الذي يدفعك اذا الى القصائد؟ من هو؟ـ إنه الاله الذي لا تصدقين، او في ارساله إليك هذه القصائد.ـ إنه الله من يرسل هذه القصائد. قال «ك» كما لوأنك تتلقين الوحي.ـ لاحظ هنا كيف تطورت الحركات الدينية.قال «تورقوت باي» ربما لانهم هددوه. ولخوفه آمن بالله .ـ كلاّ هذا ينبع من اعماقي. قال «ك». اريد ان اكون ككل الناس هنا.ـ هل خفت او ماذا؟ لست متفقا معك بالمرة.ـ نعم إنني خائف. سرعان ما صاح «ك» بل اني خائف جدا.ـ انتفض كما لو ان مسدسا مشهرا في وجهه والقت حركته الاضطراب على كل المحيطين بالطاولة.ـ أين؟.صاح «تورقوت باي» كما لو انه شعر بالسلاح الموجه اليهم.ـ لست خائفا، لا شيء بات يدهشني. هكذا علقت «هند» كما لو كانت تحدث نفسها بصوت مرتفع.ولكن كالباقين، كانت تتفرّس في وجه «ك» لتدرك من اين يصدر الخطر.بعد سنوات سيخبرني الصحفي «ساردارباي» ان وجه «ك» كان في هذه اللحظة ابيض مثل الجبس ولم يكن ليعبّر عن بعض القلق النابع من الخوف او الجنون بقدر ما كان يعكس سعادة عميقة. لنذهب ابعد بقليل سيحدثني مشددا على ان نورا ظهر بالقاعة وأن الجميع قد غمرهم البريق الرباني ومن اليوم سيلحق «ك» بصفوف القديسين.وسيعلن شخص ما «جاءت القصيدة» والجميع سيتلقى بحمّى شديدة واضطراب اشد هذه الكلمات المرعبة كسلاح مُشهر عليهم.لنعد الى الاحداث التي تغطيها الصحيفة التي يشرف عليها «ك».«ك» يقارن جو الضغط الذي يسيطر على القاعة بلحظات الانتظار العصبي التي عشناها في طفولتنا خلال حصص استحضار الارواح. كنا نحضر مع «ك» في سهرات تنظمها امّ أحد أصدقائنا وكانت أرملة شابة وبدينة جدّا، في بيتها الكائن بحي فرعي في نيستاسى برفقة نساء أخريات هن ربّات بيوت غير مستمتعات بحياتهن. برفقة عازف بيانو عاجز الاصابع ونجمة سينما نزقة كنا دائما نتساءل ان كانت آتية. ضابط جيش ذي رتبة ومتقاعد «يلقن درسا» لنجمة السينما الذاوية، وبصديقنا الذي كان يعبر بنا في صمت من العمق الى قاعة الاستقبال هذه. قال احدهم في لحظات الضغط تلك هل انت حاضرة أيتها الروح؟ أشيري ببعض الضجيج.يخيم صمت رهيب وطويل ثم يتناهى الى الاسماع صوت قرقعة غريبة، انزلاق كرسي، تأوه او احيانا صوت ضربة قوية موجهة الى ساق الطاولة وأحدهم يردّد: أيتها الروح، هل انت هنا؟ ولكن بخوف.لكن يبدو ان «ك» لم يدخل في اي اتصال مع الأرواح، عندما يتجه نحو باب المطبخ، كان وجهه يعكس سعادة ما.ـ لقد شرب كثيرا. قال «تورقوت باي» ثم اضاف: «نعم ساعده» قال ذلك كما لو انه كان قد أرسل إباك لانقاذ «ك» مع انها كانت قد بادرت بذلك من تلقاء نفسها. كان «كا» قد تضاءل في كرسي قرب الباب وأخرج من جيبه كراسا وقلما.ـ لا أستطيع الكتابة وانتم جميعا هنا واقفون وبصدد مشاهدتي. قال «ك».واصل «إباك» وسأبقيك في غرفة أخرى.مرّ كل من «إباك» و»ك» بالمطبخ ذي الروائح العذبة أين تسكب «زهيد» شراب السُّكر على القطائف ثم مرّا بغرفة باردة وعادا الى الغرفة الوسطى حيث تخفت الاضاءة.ـ هنا بإمكانك ان تكتب؟. سألته «إباك» وهو يشعل الضوء.رأى «ك» غرفة نظيفة حيث يوجد سريران مرتبان بشكل جيد. على الخزانة وضعت كريمات واحمر شفاه وقوارير عطر ومجموعة متواضعة من قوارير الكحول وزيت اللوز وكتب... حذو حقيبة اليد كان ثمة علبة شوكولاطة سويسرية مملوءة بالامشاط، أقلام الزينة، قلائد وأسورة. جلس على السرير قرب النافذة المغطاة بالزجاج الدقيق.ـ بإمكاني الكتابة هنا، قال وأردف:ـ لكن لا تتركيني بمفردي.ـ لماذا؟ـ لا ادري، أنا خائف.ثم انغمس في كتابة قصيدته التي بدأها بوصف علبة الشوكولاطة التي احضرها عمه من سويسرا عندما كان طفلا.على العلبة ارتسمت مشاهد طبيعية سويسرية كما على جدران «صيحان» في كارس، ثم ولكي يفهم اكثر القصائد التي كتبها في كراس، يرتبها وينظمها، أخرج «ك» من العلبة الخاصة بقصيدته ساعة / لعبة، عَلِمَ بعد ذلك بيومين انها كانت لعبة «إباك».تكفي هذه الساعة لفعل شيء حول زمن الطفولة والحياة.ـ أريد أن تبقى دائما الى جانبي. قال «ك» «لإباك» لانني مغرم بك بجنون.ـ لا تعرفني حتى. قالت إباك.ـ ثمة نوعان من الرجال. قال «ك» «لإباك».وهو متعاظم، الاول عاشق وعليه ان يعرف كيف تأكل فتاته السندويتشات، كيف تسرّح شعرها، بأي حمق تبهره، لماذا تغضب من والدها، وكل الطرائف التي تروى حولها.بالنسبة للنوع الثاني من الرجال والذي انتسب اليهم كي يعشقوا يكفي ان يعلموا القليل القليل.ـ هذا يعني انك مغرم بي لأنّك لا تعرف بالمرة هل هذا حقا الحب بالنسبة لك؟ـ الحب هو ما من أجله يتخلى الانسان عن كل شيء. قال «ك».ـ بمجرد ان تعرف كيف آكل سندويتشا أو كيف أسرّح شعري، يتوقف حبّك.ـ ولكن في تلك اللحظة من تقاربنا الذي نكون قد عشناه تولد الرغبة التي ستلف جسدينا والسعادة التي بذكرياتنا المشتركة، ستربطنا بعمق.ـ لِمَ تنهض، اجلس على حافة السرير.قالت «إباك»:ـ لا يمكنني ان أُقبّل اي شخص تحت سقف منزل والدي.لم تعارض في البدء قبلات «ك» وانتهت بدفعه قائلة:ـ عندما يكون ابي بالبيت هذا لا يعجبني.مرّة ثانية قبّلها «ك» من فمها دون ارادتها ثم جلس على حافة السرير:ـ علينا ان نتزوج حالا ونهرب. علينا ان نغادر هذا المكان. هل تعرفين كيف سنكون سعداء في فرنكفورت.خيم الصمت.ـ كيف يمكن ان تحبني وأنت لا تعرفني؟ـ لانك جميلة.. لانني احلم بسعادتنا سويا.. لانني يمكن ان اقول لك كل شيء دون خجل .أحلم بأن نمارس الحب دون توقف.ـ ماذا ستفعل في المانيا؟ـ سأكون مشغولا بالقصائد التي لم اتمكن من كتابتها. سأمارس الاستمناء. العزلة مصدر فخر. بفخر يقبر الانسان نفسه في رائحته. مشكلة الشاعر الحقيقي هي دائما نفسها اذا أحسّ بالسعادة لمدة طويلة يصير عاديا، اذا كان حزينا لوقت طويل لا يمكنه ان يجد في ذاته القوة اللاّزمة للحفاظ على حياة شعره. لا يمكن ان يقيم الشعر مع السعادة الا لوقت قصير بسرعة اما ان تبسط السعادة الشعر والشاعر واما ان يفسد الشعر الحقيقي السعادة. انا خائف جدا من ان اكون حزينا اذا عدت الى فرانكفورت.ـ ستبقى في اسطنبول. قالت «إباك»ـ نظر اليها «ك» باهتمام وهمهم:ـ تريدين العيش في اسطنبول، أليس كذلك؟ الان صار يأمل ان «اباك» تعلق عليه امالها.«إباك» تستدرك:لا آمل شيئا.أحسّ «ك» أنّه تسرّع وادرك انه لا يستطيع المكوث طويلا في كارس انه لا يستطيع ان يتنفس في هذا الزمن القصير انه امام هذا لا يستطيع إلاّ ان يستعجل الامور.تبادلا نتف الحديث التي تنبع من الاعماق، واسماعهما تلتقط الضجيج الآتي من عربة الخيل المارة فوق الثلج امام النافذة.

الكتاب اللبنانيون في مواجهة الحرب


كرنفال الحبر الدموي أو رواية الموت الدامي
ترجمته الشاعرة للملحق الثقافي منارات بجريدة الشعب التونسية
اعتقدنا ان السلام قد حل ولكن ها كل شيء ينهارمثلما تُخلّف الحرب ركاما من الجثث المحروقة وأكداسا من حجارة المباني المقصوفة وبركا من دموع الثكالى والأيتام، فهي أيضا وبالمقابل، تفتح أكثر من رواق ومنفذ لتدوين أشكال كتابية مختلفة تبدأ من تصريحات السياسيين وتنتهي الى رسوم الكاريكاتوريين وبينهما تشكل تفاصيل الحرب عمودا فقريا للكتابات النثرية، قصة ورواية ومقالة... وللتدوين الشعري...و»الحالة اللبنانية» بما عاشته في الماضي وما تعيشه راهنا، باتت تمثل «مرجعا» يستقي منه الكتاب والشعراء والموسيقيون والرسامون مداخل تعبيرية تعكس معاناتهم اليومية وتستشرف افقا آخر أقل قتامة وأقل سوداويّة...ثلاثة أجيال أدبية، بين جيل وجيل حرب، بين جيل وجيل يفيض الحبر مدرارا ليقول: نعم «الارض زرقاء كبرتقالة» حالة الكتابة عندهم ليست حالة ترف، إنها ملحّة كالموت من اجل لبنان هاهم يعلنون الكوجيتو اللبناني:«نحن نكتب، إذا نحن نقاوم»والتباس الاعمال الفنية بالواقع التدميري الذي تعيشه الأرض اللبنانية صار يمثّل كرنفالا احتفاليا تتعالق فيه مشاعر الألم بأحاسيس الأمل رغم حالة الصدمة والاندهاش المربك...ضمن هذا الملف الذي قدّمته مجلة magazine littéraire في عددها الأخير الموافق لشهر سبتمبر 2006 نقف على مختلف أشكال تقبل حدث العدوان على لبنان من قبل الكتاب والادباء اللبنانيين ذاتهم....اسكندر النجار: ... وكأنّ التاريخ يعيد نفسهكيف تفاعل الكتاب والادباء مع لعنة الحرب التي حلّت بديارهم وفي بلدهم؟ بين الالتزام بالنضال والرغبة في التموقع خارج التحالفات السياسية كل يحاول التموقع وإعلاء صوته «الصدمة هذا هو الاحساس الذي اعترى اغلبنا. لقد صدمنا حين عادت الحرب الى ارضنا مجددا. ظننا ان السلام قد عمّ وأنه لا رجعة فيه لكن هاهو كل شيء ينهار» بهدوء ظل اسكندر النجار يشرح تلقيه حدث «الحرب» في بلاده وذلك بعد ثلاث اسابيع من العدوان.واسكندر النجار هو احد اكثر الكتاب تأثيرا في جيله كتب رواية قصيرة تحمل عنوان «مدرسة الحرب» «L'Ecole de la geurre» تطرق فيها الى الحرب الاهلية في لبنان بين 1975 و1990 من خلال عيني طفل بيروتي. الان وهو الشاهد على هذا العدوان الجديد هاهو يقول: «كنت في الثامنة من عمري عندما اندلعت الحرب سنة 1975. اليوم ابني قد بلغ الربيع الثامن ليشهد هذه الحرب الجديدةوها اني اردّد ذات عبارات التهدئة التي تلقيتها من فم أبي ايامها وكأن التاريخ يعيد نفسه».لقد صرّح اسكندر النجار بسرعة عن موقفه من الحرب وذلك عن طريق الصحافة العربية والعالمية. كما نشر مقالا بصحيفة Le monde تحت عنوان «مشهد من لبنان» كرد على مقال بارنار هانري لفي Bernard Henri levy الذي حمل عنوان «الحرب والمشهد الاسرائيلي».وفي ردّه هذا، عارض اسكندر النجار فكرة ان «لبنان قد سمح لميليشيا حربية (حزب الله) ببناء دولة داخل الدولة» بالنسبة لاسكندر النجار حزب الله قد نما في ظل الاحتلال السوري وبدعم من إيران.«قليلون هم الادباء الذين يعرفون كيف يتحركون من اجل قضية ومثلما يقول جون بول سارتر: على الاديب ان يكون ملتزما «ويتخذ موضعه المناسب في مرحلته».أنطوان بولاد: بين أديب ومواطنفي لبنان يتبوأ رجال الادب مكانة مهمة على أعمدة الجرائد. إنهم يكتسبون اهمية تفوق تلك التي يُحْظى بها رجال الادب في فرنسا. هنا لا يندر ان نقرأ افتتاحية ممضاة من قبل كاتب او شاعر. بعض هؤلاء الكتاب يضطلعون برئاسة تحرير عدة صحف او ملاحق ثقافية كذلك هو الشأن بالنسبة لالياس خوري في جريدة النهار (الصحيفة الاكثر مقروئية في لبنان) أو عباس بيضون او اسكندر حبش في السفير .«لا يمكن ان يمرّ يوم واحد دون ان يعرض احد الكتاب او المفكرين موقفه على أعمدة الصحف».هكذا يبيّن فارس ساسين (المستشار الادبي لمنشورات دار النهار) كيف يمكن ان يثري قلم الكاتب المشهد الفكري ويعزز الحوار في زمن اللاّحوار.أثناء الحرب الاهلية لم تتوقف الصحف عن الصدور والكتاب يعبرون عن آرائهم بشكل مستمر ويومي الان يحدث نفس الشيء».يدافع إلياس خوري في الملحق الثقافي للنهار عن فكرة ان الكاتب مثل كل شخص هو مواطن «حين يهاجم موطنك، عندما تقع إبادة شعبك كل الوسائل تصبح مشروعة للمقاومة. كصحفي اقدم شهادتي على اعمدة الصحف، كمواطن احاول تقديم العون في مخيمات ومراكز اللاجئين، ولكن كأديب لا حول لي ولا قوة. بالنسبة لي ليس هذا الظرف المناسب لكتابة الروايات».ايمان حميدان يونس: عندما ينحرف الخطاب!!!بالنسبة لايمان حميدان يونس لا مجال الآن للكتابة في زمن الحرب. الكلمات الوحيدة الممكنة هي «لنوقف العنف» تتنهد ثم تضيف «لست في وضع يسمح بكتابة شيء آخر... منذ الايام الاولى للعدوان عرائض كثيرة ونداءات كتاب ومفكرين تظهر على الانترنيت... كل يدافع عن وجهة نظره، المنتصرون للبنان والهوية اللبنانية، المنتصرون للهوية العربية، المنتصرون لحزب الله، المنتصرون لعون إلخ... ولكني ارفض أن امضى أيا من هذه العرائض.عندما تكون سماؤنا أرضنا، بحرنا عرضة للاغتصاب لا يمكن ان نفرض شيئا آخر غير السلام».كتبت إيمان حميدان وأمضت عديد المقالات في صحف المانية وسويسرية آملة التحذير من اخطار الخطابة «الامريكيون يتحدثون عن الديمقراطية والسلم لكنهم لا يمنعون مجازر ترتكب في حق الاطفال... حزب الله يتحدث عن الكرامة والنخوة لكنه لا يفعل شيئا لحماية الاطفال... ينحرف الخطاب فلا وجود لا للديمقراطية ولا للسلم ولا للكرامة ولا للشرف عندما يموت الاطفال مثل العصافير والفئران».شريف مجدلاني: التاريخ ومفهمة الهوية اللبنانيةعلى صفحات Libération استطاع شريف مجدلاني ان يبلغ صوته وفي مقاله المعنون «الهوية اللبنانية المتنازع حولها» يذكّر مجدلاني بالظروف الحافة تاريخيا باختطاف الجنود الاسرائيليين وبالحرب التي أعلنتها اسرائيل على لبنان في منتصف شهر جويلية..يُبَيّن مجدلاني انه «تاريخيا، ومنذ نشأته واجه لبنان دائما مفاهيما مختلفة لهويته: الهوية اللبنانية التي ترى ان الامة اللبنانية تعيش حاضرها ومستقبلها بمعزل عن محيطها العربي والمنتصرون للهوية اللبنانية بهذا المعنى قد حاكوا دائما علاقات مخصوصة مع الغرب. الهوية العربية التي تطالب بمصير موحد مع كل الامة العربية». «لقد اعتقدنا سنة 2005 أن اللبنانيين بكل طوائفهم المجتمعة قد اتفقوا على رؤية موحدة للبنان ولكن دون التعويل على حزب الله الذي يعيد استثمار مقولات القومية العربية مع توظيف للفكر الإسلاموي. هكذا بعث من جديد التصور القديم للبنان بعد ان ظننا اننا قمنا بتخطيه وعادت للبنان صورته القديمة... لبنان ميدان الصراع المقدس ضد الغرب واسرائيل» .يروي شريف مجدلاني حالة الانفعال التي عاشها حين ادرك أن بلاده تتعرض من جديد للعدوان: «انه شعور بالعجز في الايام الاولى شعرت بحالة من الشلل فلم يكن باستطاعتي فعل اي شيء ثم فكرت ان التوقف عن الكتابة هو انخراط ما في لعبه الحرب. اذا الان انكب على كتابة رواياتي لانه بالنسبة لي افضل موقف يمكن ان اتخذه هو البناء في غمرة الجنون الهدّام».فارس ساسين: المقاومة الى جانب الشرق الأدبيصدر في اليوم الثالث والعشرين من العدوان عدد جديد وهو العدد الثاني من «الشرق الادبي «L'orient littèraire الملحق الشهري التابع للجريدة اليومية الفرنكفونية «الشرق اليوم» L'orient le jour، والتي تأسست سنة1929 كان يديرها ولزمن طويل الشاعراللبناني جورج شحادة ثم صاررئيس تحريرها صالح ستيتييه).توقف هذا الملحق الثقافي عن الصدور سنة 1960، في الربيع الفارط وبمبادرة من عدد من الكتاب كإسكندر النجار وشريف مجدلاني ورامي زين وانطوان بولاد.. بعث الملحق من جديد ولكن في نهاية شهر جويلية طرحت من جديد مسألة التوقف عن إصدار L'orient littéraire .اسكندر النجار كشاهد على ما حدث يقول: طرحنا على انفسنا السؤال التالي هل فعلا من المستعجل اصدار الملحق الثقافي زمن تقتيل المدنيين؟ هل هذا اخلاقي؟ أليس من الافضل انتظار مرور الازمة؟ ثم اتفقنا على ان تنمية الادب والثقافة زمن الحرب هو في حد ذاته فعل مقاومة. انها طريقة نؤكد بها على اننا دائما موجودون واحياء صامدون».في عدد شهر اوت ثمة 15 قصيدة لشعراء لبنانيين يتصدون للدمار بالكتابة. لقد نشرت النصوص تحت عنوان «شرف الشعراء» في إحالة على الشاعر بول إلوار الذي كتب خلال الحرب العالمية الثانية عددا من النصوص النثرية المناهضة للحرب والتي تطرق فيها الى تحرك الشعراء الفرنسيين ايام الحرب.تبنى انطوان بولاد، المسؤول عن ركن الشعر في الملحق فكرة الكاتب الملتزم بمناهضة الحرب والتصدي الادبي لها «دون الوقوع في الفخ المنصوب لنا اي دون التوهان في خضم السجال السياسي اريد فقط ان اقول ان العنف لا يُولّد غير العنف والحرب تولد من الظلم هذا ما علينا أن نصدح به عاليا».ريتا بادوره: أبواق تحت القنابلكان على انطوان بولاد خلال هذا الصيف أن ينتقل بين أربعة عشرة مركز للقراءة والتنشيط الثقافي (هي مراكز أحدثها وزير الثقافة سنة 2001 لدعم القراءات العامة والتشجيع بالتالي على دمقرطة الانتفاع بمصادر الثقافة) قصد قراءة شعره على مسامع الشباب: «للاسف، سبقتني الحرب فهي التي قامت بجولة في كامل لبنان لذلك قررت ان استثمر جهودي في مساعدة الاطفال اللاجئين الموجودين في المركز القريب من بيتي، هناك سأحاول بعث بعض المشاريع الثقافية».من جانبها، حاولت ريتا بادوره، البالغة من العمر ستة وعشرين عاما وهي الشاعرة الفرنكفونية الواعدة، حاولت كسر الصمت ببعث موقع على الانترنيت تحت عنوان «ريتا بادوره بين القنابل»http : rittabaddouraparmi les bombes. shez - blog. com... جاءتني الفكرة بعد ايام من اندلاع الحرب اطلعت على موقع مازن كرباج، الرسام والشاعر البيروتي الشاب ووقعت بين رسومه على شهادة منه يروي فيها كيف خرج زمن القصف الجوي على جنوب بيروت الى شرفة بيته ليعزف على إيقاع او ربما تحديا للقصف. لقد وجدت ذلك رائعا. علي انا ايضا الخروج من سلبيتي... عليّ ان اتحرّك...في نصوصها الاولى تحدثت ريتا بادوره خاصة عما تشاهده على الشاشة وبنَفَس ساخر لاحظت الشاعرة الشابة كيف وضعت القنابل الحسيّة (هيفاء، ميليسا، نانسي وشركائهم) على الرف لتظهر صواريخ الفجر والرعد و الكاتيوشا.في ذلك الوقت كان ثمة مدنيون تحت أنقاض بيوتهم أين ذهب إذا السوبرمان superman؟!شيئا فشيئا صارت نصوص ريتا بادوره أخطر وأكثر شعرية:«من الخوف تولّد ارق وسهاد المقاتلينغضبهم المتجمد في بحيرة الاسمنتجماجمهم المحلوقةهي الحصى البرّاق التيتتمرّى فوقه المنيه».تفسر ريتا بادوره تطوّر موقعها على الانترنيت فتقول: «هذه النصوص تعكس حالتي الذهنية، هذه النصوص اكتبها وأنشرها كي تعطي صورة أخرى غير تلك التي تبثها الشاشات وتنقلها الصحف. زمن الحرب تعيش كحيوان ليس بإمكانك فعل شيء غير الاكل والشرب والتبول وممارسة الحبّ. ما نقرأه وما نشاهده مزعج بل ومقرف لذلك أتجرّأ على ان أتمنى بأن تحمل لنا الكتابة شيئا افضل. شيئا ضروريا الا وهو «الغذاء الروحي».للقراءةـ تاريخ البيت العالي Histoire de la grande maison منشورات 2005 - Seuilـ رواية بيروت Le roman de Beyrouth اسكندر النجار منشورات2005 - Plonـ مدرسة الحرب L'ecole de la guerre اسكندر النجار، منشورات 2006 , La table rondeـ تشاطر اللاّنهاية، Partage de l'infini رامي خليل زين منشورات 2005, Arléoـ أغصان الذاكرة Les brindilles de la mémoir أنطوان بولاد منشورات 1993, Mokhtaratـ نجوم العنكبوت Etoiles d'oraignée ، ريتا بادوره، منشورات المختارات Mokhtarat، 2006ـ ولادة زهر النرد La naissance de dé ريتا بادوره منشورات ـ دار النهار 2003.ـ حبر عميق Encres profondes ألان تاسو منشورات Blé d'or 1999ـ باب الشمس لإلياس خوري نقلته عن العربية رانيا سمارة منشورات Actes sud 2002.ـ شر الارض Mal de terre ،نديم ابو خليل ـ منشورات دار النهار 2005.ـ جراحات الماء Blessures de l'eau، هيام شكيريارد، منشورات دار النهار 2004.ـ اخبارات حرب قديمة Nouvelles d'une guerre anciénne مجموعة قصص لعدد من الكتاب، منشورات 2005, Mamyrasـ الرجل الصغير والحرب Le petit homme et la guerre، إلياس خوري نقله عن العربية لوك باربولوسكو Luc Barbulesco منشورات 1995 , Arléoـ معجم الادب اللبناني الناطق باللغة الفرنسة، رامي زين Dictionnaire de la littérature libanaise منشورات 1998, L'harmattanـ الكتاب والمدينة، بيروت والطبعة العربية، فرانك مارميه Frank Mermier منشورات 2005, Actés sudـ بانوراما الشعر اللبناني الناطق بالفرنسية، نجوى عون انحوري، منشورات 1996, Librairie orientleمواقع تحت القصفخلال الحرب صارت الهواتف الجوالة والانترنيت قنوات الاتصال الضرورية، بمجرّد الانفجارات الاولى ظهرت على الانترنيت عديد المواقع ومن بين اصحاب هذه المواقع نجد ريتا بادوره ونجد اسماء وفدت على الساحة الثقافية اللبنانية منذ سنوات التسعين مثل مازن كارباج (http://mazenkerblog.blogspot.com) وهو شاعر ورسام صور متحركة بديلة.كذلك استفاد الموسيقيان ـ اللومي ـ من موقعهما للحديث عن مشاعرهما بشكل شخصي للغاية www.myspace. com/lumisounds .على اي حال هذه المواقع جميعا هي شهادات دالة على الرغبة العميقة في المقاومة، إن لم تكن مقاومة فكرية فهي على الاقل مقاومة رمزية.

الملتقى الثاني للأدباء الشباب العرب بالبحرين


المنامة ـ القدس العربي ـ من عبد العزيز الراشدي

اختتمت قبل أيام، بدولة البحرين، أشغال الملتقي الثاني للأدباء الشباب العرب الذي نظمته مؤسسة المورد الثقافي بتعاون مع غاليري الرواق، وجريدة الوطن ، وعرف مشاركة أدباء شباب من كل من الجزائر وتونس وليبيا ومصر وفلسطين، والأردن، والبحرين، وسلطنة عمان، وسورية والسعودية والمغرب. وقد تضمنت أشغال هذا الملتقي ورشات في الشعر والقصة القصيرة أطرها كل من خالد مطاوع، الأستاذ بجامعة ميشيغن بالولايات المتحدة، وسحر الموجي، الروائية الصحافية والأستاذة بجامعة عين شمس بالقاهرة، بالاضافة إلي محاضرات حول التجربة القصصية والشعرية العربية الجديدة ألقاها كل من الصحافي المصري سيد محمود والناقد البحريني محمد البنكي. كما تضمن البرنامج قراءات أدبية للمشاركين بكل من غاليري الرواق ومركز الشيخ زايد، علاوة علي لقاء مفتوح مع الأديب البحريني قاسم حداد تحدث فيه عن الكتابة والموسيقي وآرائه حول التجربة الشعرية الجديدة.. في اليوم الأول للقاء، خلال جلسة الافتتاح، أكد خالد مطاوع علي أهمية اللقاء باعتبار أن هذه الدورة لم تتعثر كما حدث للدورة الأولي بالقاهرة التي واجهت مشاكل، وأبدي سعادته لتمكن المورد من لم شمل كل هؤلاء الأدباء الشباب الذين يمثلون الصورة المستقبلية للمشهد العربي الثقافي.. في محاضرته حول الأدب الجديد، أو أدب التسعينيات كما أسماه، أشار الناقد البحريني، رئيس تحرير مجلة أوان إلي إشكالية المفهوم، الذي اعتبره مصيدة، لأنه مبني علي مصادرات عدة جري تمريرها داخل العنوان. وتساءل، هل هناك أدب تسعيني؟ ما هي مقوماته وخصوصياته؟ ألا يبدو الحديث عن هذا الأدب جلبا لنوع من القطيعة؟ هل أحدث هذا الأدب (إذا وجد) فعلا قطيعة؟ هل نسمي أدب التسعينات ما يكتبه فقط الكتاب الشباب أم أن الكبار الذين طوروا أساليبهم تسعينيون أيضا؟ ثم لاحظ استحالة القطيعة لأن الكتابة استمرار في الزمان والتجربة... وحدد محمد البنكي آليات التقسيم، واعتباراته فخلص إلي أن تحقيب الأدب ينطلق من منطلقات أهمها: ـ فكرة الأجيال (الزمن)، حيث أن المنطلق السوسيو أدبي أو التاريخ أدبي، يمنح الباحث هذه الامكانية. لكنه عاد وأكد بأن التحقيب مجرد حيلة قديمة وكسولة يلجأ إليها الباحث، ونفي أن يكون الفصل ممكنا مادام الأدب يستمد مادته الأساسية من القديم اللغة، الاحساس، التراكم الوجداني..). ـ التراكم، مقترحا مَثَل الجوائز التي كرست صيغة أدبية وأسماء معينة، كسحر الموجي، ورجاء عالم، ويوسف المحيمد، هدي أبلان، هدي العطاس، وجدي الأهدل، فخري صالح، ياسين عدنان، خليل صويلح... ثم تساءل، هل تقتصر التجربة التسعينية علي الجيل الجديد؟ أم أن تحولات أدباء الستينات يمكن إدراجها ضمن نفس الإطار، لتكون منطلقا آخر لتحديد المفهوم؟ فقاسم حداد مثلا وعباس بيضون وغيرهما راكموا تجربة غنية ومختلفة تحايث من حيث الأشكال والمضامين والرؤية ما يكتبه التسعينيون... وعلي مستوي المتابعة النقدية، أشار البنكي إلي تجربة كل من ادوار الخراط وصبري حافظ، وكمال أبو ديب، وعبد العزيز بومسهولي ومحمد لطفي اليوسفي، التي تابعت هذا الأدب وحاولت التنظير له.. مبرزا بعض هفواتها، حيث انعكست المتابعة في بعض هذه التجارب علي الذات بدل الموضوع. ثم تحدث عن النقد الجديد الذي يقترح قراءة عاشقة لهذا الأدب، ويدخل عليه من باب الجمال.. ولاحظت التدخلات وهي لكل من المغربيين محسن أخريف ورشيد منيري، والسورية مرام اسلامبولي، الفلسطينية مليحة مسلماني، والمصريين محمد عبد النبي ومحمد صلاح العزب، والتونسية يسري فراوس، والمصرية سحر الموجي ... عمومية الطرح لدي التطرق، علي مستوي القراءة، لتجربة الكتاب الشباب في الوطن العربي، إذ تلجأ القراءات في الغالب إلي الحوم حول التجربة دون إبراز الخصائص الفنية والجمالية لهذا الأدب ودون إعطاء أمثلة محددة، كما لا حظت تدخلات أخري تهافُت الكثير من الكتابات التسعينية التي تعتني بالبيانات بدل الكتابة، مما يجعل طموحها أقوي من قدرتها.. ولامت تدخلات أخري النقد لعدم مواكبته الزخم الابداعي الجديد مع التأكيد علي ريادة هذه الكتابة وانفتاحها علي الأفق العالمي من خلال ثراء الإطلاع وقدرة الكاتب الجديد علي القراءة بلغات عدة.. وفي معرض تعقيبه عاد محمد البنكي إلي الاتفاق مع الكثير من هذه الملاحظات، مؤكدا في الوقت ذاته أنه مبدع، في صف المبدعين، وأنه لم يأت إلي الجلسة ناقدا... المحاضرة الثانية للصحافي سيد محمود، حول الرواية الجديدة في مصر، كانت محاولة لمسح المشهد الروائي الجديد، الذي أكد المحاضر أهميته بخلاف الشعر الذي يعيش أزمة مع القارئ. هاته الأهمية صاحبتها مواكبة نقدية بعد الثمانينيات مباشَرَة، ونجحت في تكريس تجارب لدور نشر واكبت هذا الزخم فاستفادت بدورها وأخذت حظها.. وأوضح سيد محمود الاختلاف الحاصل في تفسير هذه الموجة من الكتابة، حيث يرجعه البعض إلي تشعبات المكان (القاهرة تحديدا)، حيث تعتني هاته الكتابات بالمهمش والهامشي (لصوص متقاعدين لحمدي أبو جليل، بمناسبة الحياة لياسر عبد الحافظ، أن تكون عباس العبد لأحمد العايدي، وغيرها...) بينما يقرأه البعض من منظور موت القضايا الكبري والاعتناء باليومي.. وتساءل: ماذا اكتشفت الرواية الجديدة لتحظي بمكانتها؟ أهو التشظي؟ اكتشاف العنصر السير ذاتي؟ الحوار بين أشكال كثيرة من الكتابة؟ التشكيل النصي؟ الغرائبية؟ (كما حدث حين كتبت ميرال الطحاوي عن البدو، ونالت شهرة واسعة) ـ الاهتمام بالأطراف؟ ربما هي أسباب تجتمع لتمنح الرواية المصرية الجديدة، والعربية عموما خصوصيتها التي تكرست بمقاومة الكتاب الجدد لكل أشكال الاقصاء ونزوحهم إلي النشر بشكل فردي بدل الاعتماد علي مشاريع النشر الرسمية كالسالفين... واستمر النقاش بخصوص هذا الموضوع ـ الذي اعتبره الشاعر المغربي محسن أخريف نوعا من البحث عن كسب الريادة للأدب المصري ـ لوقت طويل، إلي أن اضطر المسير إلي إيقاف النقاش بسبب ضيق الوقت.. في مداخلته حول الموسيقي والكتابة، أثني الشاعر قاسم حداد علي جمالية الحذف، وأوضح بأننا لا ينبغي أن نكون عاطفيين تجاه نصوصنا، وأن الكتابة تمر عبر مستويين: التدفق الذي يحتل أهمية قصوي، وإعادة التشكيل الذي يحتل الحذف خلاله الجزء الأهم.. وتساءل: إلي أي حد نستطيع ككتاب مغايرين اقتراح مفهوم جديد للموسيقي في النص؟ سواء في الشعر أو النثر؟ وأثني علي الكتاب الجدد الذين يأتون إلي النص عراة من أسلحة الوزن والقوافي. فالذي يأتي وفي جعبته هذه الأسلحة ـ حسب الشاعر ـ يوهمنا بأنه يمتلك جزءا من الشعر، بينما يتحمل كاتب النص العاري المسؤولية الكبري في تحقيق نصية النص، وهذا ما يجعل النص عند الأخير أكثر جمالا، كما يفيد هذا النوع من الاشتغال الكاتب في البحث عن صيغ (فلسفية) لإقناع القارئ بجدوي عمله، كما يعينه علي إنتاج مفاهيم جديدة والتعمق في اكتشاف الجماليات والاحتمالات بشكل غير محدود، ويفيد من جهة أخري في التعاطي مع اللغة الأم بعيدا عن الزخرف والبلاغيات التي تخلق حجابا سميكا بين الكاتب ولغته. مداخلة الأديب قاسم حداد، جاءت في أغلبها علي شكل أسئلة ، تفضح القلق الكامن لدي الشاعر، ونزوعه إلي الشك، بدل الأجوبة الجاهزة، مما جعلها تحظي باهتمام الكتاب الشباب فتساءل الكاتب المسرحي عمرو سواح من سورية، عن رأي قاسم في العودة إلي التراث؟ وتساءل باسم شرف من مصر عن علاقة الكاتب بنصه، هل هي علاقة واعية بالضرورة؟ فقد يكتب الشاعر قصيدة نثر لكنه يكتشف بأنها موزونة.. وهل يقترح قاسم حداد شعرا بديلا؟.. وتساءلت يسرا فراوس من تونس عن الطاقة الكامنة في اللغة، التي جعلت السابقين يضعون الأوزان؟ وتساءل صالح قادربوه من ليبيا بخصوص التجريب في الشعر وموقف قاسم حداد منه؟ بينما تحدث محمد خضر الغامدي من السعودية عن التجارب المشتركة لدي الشاعر مع كتاب آخرين.وتساءل وليد الزريبي من تونس عن القيود التي يقترحها الشاعر في الكتابة ومدي تناسقها مع طرحه الفني؟ وأكدت ديالا خصاونة من الأردن في السياق ذاته علي أهمية نزع القداسة عن اللغة وتساءلت كيف يقوم الشاعر بذلك؟ وتساءل رشيد منيري من المغرب عن التعاون بين قاسم حداد ومرسيل خليفة؟كما تساءل مازن حبيب من سلطنة عمان عن أوقات الكتابة؟ وأكد الفارس الذهبي من سورية علي أهمية التصوير ومسرحة النص الشعري. بينما اختتمت الجزائرية فائزة مصطفي لائحة التدخلات بالتساؤل حول شعرية القادمين إلي اللغة العربية من قوميات أخري؟ في معرض جوابه، أوضح الشاعر أن العودة للتراث لا تعني ترك العالم ، ليست نوعا من الاستلاب، الحرية أمام الكاتب الشاب كبيرة، لذلك عليه اقتراح جماليات جديدة، دون إغفال قراءة التراث كي لا يُسلِّط علينا التراث سيفه.النص مقدس في المجتمع العربي، وقراءة هذا النص أضحت أيضا مقدسة مع مرور الزمن، فأين هي حرية المبدع؟ أين إبداعه وذهابه إلي النصوص الأولي ليعرف أن الخليل بني فقط علي نصوص قبل الوزن وأخذ منها ليبرر طرحه؟ لا أقترح شعرا بديلا ـ يقول قاسم حداد ـ بل مفاهيم جديدة للشعر. وأنا لم أقل بأن السابقين لم يفعلوا شيئا، فالأوزان واحدة من عبقريات التراث العربي، لكن علي الجيل الجديد أن يعطي مبررا لوجوده من خلال إشعال المخيلة واقتراح الجديد.. ليست لدي وصفة جاهزة للتعامل مع التراث، وعشق اللغة ضروري. حين أكتب، أسجل مقاطع وصور متفرقة، لكن لحظة الكتابة تتطلب الجلوس إلي الطاولة، وبخصوص الصور، أغذي المخيلة من البحر والسينما، وأري الأشياء بالدهشة ذاتها التي رأيتها بها أول مرة، الجمال في الداخل، وعلي الشاعر اكتشافه فقط، ومخيلتنا تمتلك كل زخم التراث الإنساني.. وبخصوص التجارب المشتركة، أوضح الشاعر أهميتها، فهي عادة تفجيرات مشتركة، لم يكن لها هاجس الحفاظ علي أسلوب الشخص، بل كان النزوع الأساسي هو ابتكار ثَالِثٍ موجود أساسا، فقد يبدأ الشخص من مسودة الثاني بالحدف أو الاضافة، وقد يأتي السارد من الشعر والعكس. أما تجارب القادمين من قوميات أخري فذكرت الشاعر بالتجربة الرائدة لسليم بركات الذي اعتبره قاسم عنوانا كبيرا من عناوين الشعر.. وعبر الشاعر عن قلقه من كلمة تجريب، فهو يشعر في الكثير من الوقت بأن الحياة تجربة ليست براغماتية، إنها الحياة، وبالتالي، يجد حواجز كثيرة مع المسرح التجريبي لأنه يقترح أساسا تجربة . ينبغي وضع النص في سياق الحياة، ولا ينبغي أن نتعامل في كل خطواتنا مع المحْتَرَف، فالنص خلاصة حياة. وتميزت الورشات التي نظمت خلال اللقاء، وتنوعت بين فتح النص وتقطيع نصوص قديمة وكتابة جديدة، باختلاف شديد حول أهميتها وضرورتها، حيث رأي بعض المشاركين بأن الورشات عديمة الجدوي بالنظر إلي المستوي المتميز للمشاركين وقوة نصوصهم، في مقابل استناد الورشات إلي صيغ تابثة تفرض علي المشارك رؤية واحدة لكتابة النص.وكذا حاجة الأدباء الشباب ليس إلي ورشات بل إلي اللقاء مع الجمهور وقراءة نصوصهم. وهذا ما جعل الكاتبين البحرينين علي الجلاوي وسوسن دهنيم ينسحبان من اللقاء بعد نقاش مع مديرة المؤسسة وخلاف حول وجهات النظر، حيث رأت الكاتبة البحرينية المشاركة في اللقاء عائشة الصقر، في السياق ذاته أن الكتابة ليست فعل أمر، وأن حرية المبدع مقدسة.. هذا الطرح رد عليه المنسق خالد مطاوع بقوله: ان مؤسسة المورد قد اشترطت علي المشاركين الالتزام منذ البداية بالورشات، وأن تلك صيغة عملها ولا يحق للمشارك مطالبتها بتغيير طريقة عملها التي تختلف بها عن الملتقيات والمهرجانات الأدبية الأخري... في أمسية تقييم الملتقي، أجمع المشاركون علي نجاحه، وعلي أهميته، إذ تمكن من كسر الحواجز بين الأدباء الشباب في الوطن العربي، مع تشديدهم علي انتقاد الورشات، داعين المؤسسة إلي النظر في اقتراحات الكتاب المشاركين من أجل تطوير الأداء مستقبلا.

أدباء عرب شباب يلتقون في المنامة

المنامة – سيد محمود الحياة
اختتمت في المنامة الدورة الثانية للقاء الادبي «صفحة جديدة» الذي تنظمه مؤسسة المورد الثقافي بالتعاون مع غاليري «الرواق» وجريدة «الوطن» البحرينية واستمر ستة ايام وشارك فيه 18 كاتب وكاتبة من الجيل الشاب من مصر والسعودية و الجزائر وعُمان وسورية وتونس والمغرب والبحرين، وجرى اختيارهم وفق ثلاثة معايير: الجودة الفنية للنص المرشح وانعكاسات الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية عليه، وعن المستوى التعليمي للمرشح.وتضمن اللقاء ورشات للكتابة الإبداعية ومناقشات لأعمال الكتاب الشباب و لقاءات مع الشاعر البحريني قاسم حداد، إضافة الى قراءات إبداعية قدمها المشاركون للجمهور في أمسيتين، الأولى في مركز عبدالله الزايد للتراث الصحافي، برعاية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وكيل وزارة الإعلام البحرينية المساعد للثقافة والتراث الوطني، والثانية في غاليري «الرواق» في منطقة «العادلية» وحضرتها مجموعة من كتاب البحرينو«صفحة جديدة» هو لقاء ادبي تنظمه سنويا مؤسسة «المورد الثقافي» مع لقاء موسيقي عنوانه «ريمكس»، ولقاء آخر مسرحي عنوانه: «بداية اللعبة». ويختلف اللقاء الادبي للشباب العربي عن سواه من المنتديات واللقاءات الادبية في كونه يقصر سن المشاركين كتّاب بين الخامسة عشرة والثلاثين من العمر ومعظمهم في مرحلة ما قبل احترافية .ولم يخل لقاء «المنامة» بدوره من إشكال بدأ في اليوم الاول من خلال اعتراض بعض الادباء البحرنيين الشباب على تنظيمه الذي يلزمهم بالبقاء طوال الوقت في ورشات عمل استمرت ثلاثة ايام في «بيت شباب المنامة». فضلاً عن اعتراضهم على صيغة العمل في الورشات التي جرت في اشراف الشاعر والمترجم الليبي خالد المطاوع الاستاذ المساعد للكتابة الابداعية في جامعة ميتشيغان الاميركية والكاتبة المصرية سحر الموجي الاستاذ المساعد للادب الانكليزي في جامعة القاهرة. وقد اشتغلت تلك الورشات على التفاعل مع نصوص أدبية قصصية وشعرية اختارها المطاوع والموجي وضمت نصوصا لسالمة صالح وفوزية رشيد والكاتب المصري الشاب الراحل وائل رجب واشعاراً لفاضل العزاوي وعلي محمود طه. وكان الهدف منها على قول المطاوع «استثمار الحس النقدي للشباب وتدريبهم على تقنيات للكتابة ذات طابع احترافي، تقوم على اختيار محدد لموضوع النص، وملء فجوات موجودة في نصوص يقف المشاركون على مسافة فنية منها».وإضافة الى ورشات العمل التقى المشاركون الشاعر البحريني قاسم حداد الذي ألقى محاضرة تحت بعنوان «الموسيقى اسبق من اللغة» أشار فيها الى ان «مفهومه للموسيقى والإيقاع لا يقتصر على الشعر في القصيدة فحسب، لكنه يشمل الكتابة الأدبية عموماً، وكل أشكال التعبير الفني». وأضاف: «ان الكتابة العربية، الشعرية خصوصاً، لا تزال ترتبك كلما واجهت سؤال الموسيقى في النص». وأوضح أن عنصر الموسيقى هو الكنز المتاح الذي ليس من الحكمة التفريط به على يد الشاعر،ومن غير المتوقع أن يأتي على الإنسان زمن يفقد فيه شرطاً جوهرياً من الشروط التي تميّز الشعر عن النثر.وعطفاً على هذه المحاضرة ألقى كاتب السطور محاضرة عن الكتابة الجديدة في مصر تضمنت رؤية عامة لطبيعة الإنتاج الروائي الذي يقدمه كتاب التسعينيات في مصر وظروف نشره. ولفت النظر الى «لكليشيهات «النقدية في تلقي هذا الادب. وتناول السياق السوسيوثقافي المدرجة فيه، مشيراً الى أنّ هذه الكتابة، بفضل نزعتها المتمردة، لم تجد في مؤسسات النشر الرسمية الفضاء الملائم لتبني خطابها الابداعي بنزعته التقويضية، فلجأت أولاً الى مشاريع النشر المستقل، ثم تبنتها الدولة لاحقاً. وتوقف أمام ملاحظة ثانية تتعلق بازدياد عدد الكاتبات من أبناء هذا الجيل. فخلافاً لجيل الستينات الذي كان في معظمه من الذكور تقريباً تشكل جيل التسعينات على أساس التساوي تقريباً بين الرجال والنساء. وقدم الناقد البحريني محمد البنكي ورقة عن أدب التسعينيات في مصر، واللافت ان أحد الشباب المشاركين من المغرب انزعج من تركيز المحاضرتين على الادب المصري الجديد معتبراً هذا الأمر من باب فرض «المركزية المصرية».وأقيمت في ختام اللقاء جلسة تقيمية سجل المشاركون خلالها بعض الملاحظات التنظيمية التي سببها الضغط المكثف للبرنامج، مما حال دون تعرفهم على مدينة «المنامة» ومعالمها السياحية، علاوة على تحفظهم على النصوص التي اختيرت لورشة العمل و «صيغ اداراتها لدى المنسقين» وان كان بعضهم رأى فيها محاولة لـ «التحايل على العقل الابداعي العربي الميال للكسل». واياً كان الأمر فأن تجربة «صفحة جديدة» كسرت الحواجز الوهمية المتصورة بين إبداعات الجيل الواحد مهما اختلفت المراكز الجغرافية لانتاجه، أكدت الدور الذي تلعبه «شبكة الانترنت» كفضاء جديد لنشر هذا الانتاج والتواصل بين مبدعيه بل بالغ احدهم في الدعوة الى تكريس الدورة المقبلة من اللقاء للبحث في موضوع «القصيدة الالكترونية

أوراق القاهرة

القدس العربي من عبد العزيز الراشدي كاتب من المغرب
لم أسأل القاهرة ولم تسألني.لم يمتد الكلام طويلا بيننا .الليل جاوبنا معا وأفصح:ليل مضيء لا ينام.ليل سميك يوزع البرد والبسمات والسحب العابرة لا تهمه.ليل لا يعود الناس فيه على عجل إلى بيوتهم . قال لي ما قال ومضى :كلام كثير عن ذاكرة طفولتي حين أتحزّم بروائح البساتين والمقاهي التي يرتادها رجال يخططون لشيء ما على الدوام، يتوسطهم توفيق الدقن أو فريد شوقي و تغفر خطاياهم سعاد حسني و نادية لطفي وهند رستم. حين أغفو على كلام الريفيين و"معلمي" الحواري في أفلام بركات و على الريبة والحذر في روايات الحكيم ومحفوظ .حين تدغدغني مواويل الشيخ إمام وهمسات غادة رجب وإيقاعات عبد الوهاب و حزن فريد.لكن الأمر واقعي هذا النهار ، أرُّجُّ الصورة وأتركها في برزخها ، أقبض على حزم الضوء المنسلة من شقوق المباني والشوارع والفنادق والوجوه السمراء الأليفة وأناقش كل من ألقاه في الطريق عن شيء ما كي أسمع الأصوات وتعود طفولتي طازجة فيحدثني كل الناس عن نانسي عجرم وأغنيتها الجديدة التي كسرت الدنيا.أحاول أن أسأل البعض عن الأدب فأعلم أن لكل مقال مقال وأن الأدب زاوية حادة في كل ربوع الأرض.أُمسك حزم الضوء وتتسارع المباني حولي فينبت الحزن الشفاف ذاته والتأمل ذاته الذي يدهمني كلما رأيت اختلاج الحياة ويفصد ذهني أصوات أسمعها على الطبيعة للمرة الأولى، يساورني شديد الإحساس بأنني متواجد داخل شاشة ،شاشة كبيرة زواياها مترامية .دوري سينمائي ولا شك وكل الناس أدوارهم واضحة .تماما كما حصل لجيم كاري في فلم "ترومان شو" .أتماهى مع اللعبة وأسأل الأحياء الشعبية والمباني التي من شقوقها ينبع الضوء وتصدر الأصوات.أسألها عن فتاة صغيرة أحببتها في طفولتي،كانت تغني وتمثل وتزورني في كل لحظة لتأخذ بيدي كي أزور الست زينب والفيوم لنشرب العناب وعرق السوس ،لنأكل الجمبري و الطعمية و(الذي مِنّه). لا تتعبني الأصوات ولا السيارات التي تسير بجنون ما إن ترى الضوء الأخضر.كل شيء على هامشي يسرُدُ تفاصيله كما لو أني كائن من كائنات شارع عماد الدين .أعيش فوضى خاصة وأحلم بالبدرشين وحبيبتي الصغيرة هناك. أحلم بها تشرب عصير المنجة وتبتسم لي ، أحدق في ملامح الزين الفرعوني المطل من عيون شيرين الكبيرة.شيرين التي أغرمت بمحسن أخريف في مطعم الأكلات الخفيفة.أتسكع و أسأل الأحياء الشعبية عن جنوبيين قريبين من روحي أعرفهم كما أعرف كفي جيدا جيدا ،جاؤوا إليها ليصنعوا مجدها .أكلمها عن أمل دنقل ومحمد منير ويحيى الطاهر عبد الله فينفتح صدر القاهرة فجأة ولا تعود تكلمني بتكلف بل تحدق في وجهي بجدية وتبوسني حتى أنام... أمشي في الشوارع و أتعب من طول المسافة فيحضنني كورنيش النيل و أرى العشاق اثنين اثنين يأكلون الترمس والدرة المشوية وأخاف أن أحرك رأسي فأفقد دهشتي بالمكان،أخاف أن تضيع الشاشة كما يحدث لي مرارا مع نصوص وصور وحالات استرخاء حين أبدل وضعي فيفر كل شيء .لا أضحي بسرنمتي في الكورنيش و الميادين، بطيئا أعدها ميدانا ميدانا،أليفة أراها كأنما رأيتها والتقيت المارة في حياة سابقة. ترجني الأحياء الشعبية و تلوِّح لي السيدة زينب والست نفيسة والست أم هاشم وأمشي خفيفا خفيفا فيفوتني الأتوبيس و يغضب مني الأصدقاء.( 2)أحدق في الضوء والضباب الخفيف والماء وأقبض على الصور: عباس العبد الملتبس في رواية أحمد العايدي يكسر القيم والنظم كما لا يريد معظم الفقهاء،خالد اسماعيل يرصد هوس الرجال والنساء وطاحونة الوقت ،صعيدي لم يدخل الجامعة الأمريكية يفترش الثرى وأبناءه يلعبون أمامه وخيطه يربط جواميسه الغليضات،عادل إمام ينحدر في عريس من جهة أمنية ولا تعود هيبته تقهرني . أرى مياها تسقط من الأعالي لا أعرف لها مصدرا وأرى بين الإعلان والإعلان إعلانا ثم أرى النيل فيقول لي مرة أخرى تعال أشرَبُ من عطشك. أرى بائع عرق السوس يعزم الناس مجانا. وفي الحسين تشتعل الذاكرة وتتلقفني مقهى الفيشاوي أضم الشاي والشيشة وصيحة الجرسون فيعاودني إحساس الشاشة من جديد و تقول لي الشاعرة التونسية يسرى فراوس الجميلة جدا كالخبز البلدي المصري أن الصور تلعب .الصور تلعب يا عزيز وأنا التي أعرف من أين يأتي الوجع.أرى محجبات يرتدين البسمة ويضحكن من مناظر الأفلام دون عقد .نساء بدينات يُتعبن الباعة من المفاصلة حول الأثمنة.عجلة الشيطان تركب عجلات السيارات.شعراء وقصاصين في كل مكان.كلمنجية في كل واد يهيمون.مرشدون سياحيون يتطوعون لتعديل غطاء الرأس والنوايا.أمناء الشرطة وصور الرئيس.مكتبات غاصة بالكتب. بائع الكوتشينة الذي يمسرح نداءه يلحن بضاعته خطوة خطوة يتقدم ويصيح :الكوتشينة بجنيه. الأوراق بجنيه. البضاعة بجنيه. يعني دي بجنيه... ألمح بائع الشوك الهندي بملامحه البائسة فأتذكر الوجه ذاته لبائع الهندي الذي اراه في أحياء كزابلانكا الشعبية ،مسحة الحزن على الوجه البسيط و"خلي عند يا بيه" فاعلم أن الحزن العربي واحد .تنعدم الشاشة فجأة ويتلقفني الواقع.في الطاكسي أتأمل قافا خاصة جدا مختلفة. ينطق السائق سقارة كما تشاء له فكيه .يطلب منا أن نوافيه بشيخ مغربي صارم يعينه على فتح الكنز ،يقول أن سقارة كنوز في كل مكان وأن بوسع المرء أن يتمشى ويجد الكنوز لكن الجني الحارس يهيل التراب على كل الداخلين ولن يردعه سوى شيخ مغربي صارم .الثروة علىثلاثة:لصاحب الكنز ثلث وللشيخ مثله ومثله للوسطاء فما ردكم يا مغاربة؟ .نفكر ونضحك في سرنا من هوسه ونجاريه في اللعبة فيمدح الكرة المغربية و يسألنا عن فاس ومراكش ويمنحنا عناوينا وأرقاما مفيدة جدا.(3 )منذ متى والقاهرة في دمي؟ منذ الأزل.يحرك مياهها الزرقاء محمود سعيد وعدلي عبد الرزاق.يخشخش ورقها الشجي في صوت غادة رجب وأمال ماهر.وتربكني بها نصوص منتصر القفاش وميرال الطحاوي والجمالين: الغيطاني والقصاص.لذلك كتبت يوما أوراقا مصرية تكلمت فيها عن صباح علقت القاهرة مبانيها فيه بخيط دقيق وزفت أبناءها دفعة واحدة جهة الياسمين .واليوم أتذكر تلك الأوراق جيدا فتهيج السيارات والبشر وتختلط غيوم المرحلة بانغلاق لا مبرر له. وأسأل المصري من أين ننفذ ؟ولماذا أفقك أخضر يا هلتون رمسيس بينما لا يضحك الإسفلت حتى ولبنى تمشي عليه؟ ما هذا بغموض، فذهني سؤال دائم:السفن حائرة فمن أين ننفذ ؟الراقصة تسير بهدوء الحجلة ثم تدعو جميع من في الصالة إلى الدبكة لكي ينسى سكارى ستيلا وعمر الخيام أمواجهم. يدبكون ويدبكون ويدبكون فلا تعود غير اللحظة تعنيهم.يصففون النصوص خارج وطن الليل ويعلمون ما ينبغي.وأقول للقاهرة كلما راودتني :إياكِ نرى وإياك نسمع على مقام الحلم.نستعين بك على بلوغ الصورة مكتملة(هل تهبنا المدن غير وهمها؟).لن أخاف فيك من دروب الهوى ولن أنام حتى أعود.أريدني فيك حتى تنتهي أو ينتهي وهم الحلم.حتى تنتهي وساوسي مع القليل من البرد في واضحة النهار كي لا تتعبني كراسي مقهى الريش.أريد أن يصلح الواقع ما أفسدته صورة الطفولة ومونولوجات اسماعيل ياسين.أريد خصلة من شعر النيل .أريد البدرشين كاملا لا ينقصه عمود كهرباء واحد.وأصيخ السمع لذاكرتي دائما دائما دائما فلا ابصر بين التزاحم أكثر من وفرة تقهر شساعة الداخل.أدخر شعرية جمال القصاص لوقت الحاجة واحلم بأسكندريته التي لا تزاحم اسكندرية اسامة انور عكاشة سوى في صوت البحارة بثيابهم الفضفاضة يمططون الكلام ويتكلمون عن الفرد بصيغة الجمع .ثم أسكن بعد التعب في البرزخ.بين الواقع والحلم وتلك حقيقة الكتابة. فأدرك أن الصباح يعلّم القاهرة ألا تقلق ،يعلمها أن توازن بين الاشتغال على اللغة والصورة وبين العيش دون تكلف ،يعلمها التكيف مع وطن يعاشر زوايا هشة دون أن يموت. و أسير في الشارع لا يتعبني شيء قدر صوت طفولتي الذي يمحيه الواقع،الآن أسأل القاهرة بحزم حين نصل الذروة ونمضع حزن الليل-كما يحدث لي في كل الأمكنة- ويضحك الشاعرخالد مطاوع بطلاقة كيف نحمي صورة المتاهة والطفولة؟كيف نحول العشاق إلى ورق صلب لا تلحسه الريح؟كيف نصفف شعر باسمة التكروري ونعيدها إلى غزة سالمة؟ كيف نرد جميل تيريز بديع التي أرضعتنا حليب المجاز؟ ثم ماذا أفعل الآن.ثمة لحظات تلي معرفة المكان.حين نبدأ الغوص في العادي.هل أهرب الآن؟لكن القاهرة لا تجيبني ولا أجيبها بل الليل يجاوبنا معا إلخ إلخ ....

في كتاب توثيقي

"صفحة جديدة " كتاب توثيقي يتضمن أوراق و نصوص للمشاركين في اللقاء الأدبي الأول للشباب العربي 2004 القاهرةرة عن دار شرقيات للنشر و التوزيع و بالتعاون مع مؤسسة المورد الثقافي كتاب "صفحة جديدة" و يتضمن رصد توثيقي لفعاليات اللقاء الأدبي الأول للشباب العربي الذي أقامته مؤسسة المورد في يوليو من العام الماضي و شارك فيه ما يقرب من 18 كاتب وكاتبة تتراوح أعمارهم بين 15 و 30 عاما من مصر و فلسطين والمغرب و تونس و سوريا. و رأس جلسات الملتقى كل من الكاتب والشاعر الليبي خالد المطاوع و الكاتب السوري خليل صويلح والكاتبة المصرية سحر الموجي و قام بتحرير الكتاب الكاتب الصحفي سيد محمود المحرر الثقافي بمؤسسة الاهرام، فيما قامت بتقديمه بسمة الحسيني المدير التنفيذي لمؤسسة المورد الثقافي .و يتضمن الكتاب مقالات ونصوص كتبها المشاركين حول مجموعة من الموضوعات من بينها: إشكالية الشخصي والعام في الكتابة الأدبية والمكان كموضوع أدبي إضافة إلى موضوع الحرفية في الكتابة الإبداعية.و من بين الكتاب المشاركين في الكتاب احلام بشارات و هديل كركر و بسمة التكروري من فلسطين و من مصر شارك كل من محمد فتحي وحسام عبد الباسط واحمد صبري غباشي و احمد عبد المولى و من سوريا شاركت مرام الاسلامبولي و الفارس الذهبي و مضر الحجي بالإضافة الى ارواد خاطر و شادي ابو جبل ( الجولان ) أما تونس فقد شارك منها ناجي الخشناوي و يسرى فراوس و من المغرب شارك محسن اخريف وعبد الواحد استيتو وعبد العزيز الراشدي و لبنى المانوزيو توافق صدور الكتاب مع انعقاد الدورة الثانية للقاء " صفحة جديدة " التي أقيمت في مملكة البحرين في الفترة من 20 وحتى 26 ديسمبر 2005 بمشاركة 18 كاتب وكاتبة من الاردن و السعودية و البحرين و فلسطين و مصر و سوريا و المغرب و تونس و ليبيا و الجزائر و سلطنة عمان.