الأربعاء، 13 جوان 2007

مجموعة حمى القصائدة كاملة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المقعدُ الخاوي

على مقعدِ الجامعةِ زحمةٌ لا تُحْتمل
على مقعدِ الجامعةِ تجلسُ أمّي
ترصفُ أحلامي
واحدََََا...
واحدَََا...
أراها تعلُو...
أفرحُ
لزغاريدِ عينيها
للفراشاتِ تَشُدُّها لطفولَتي
تُلهيها عن تسريحة شَعري
إذ تَغيّرَت.
تُقنعُها أنني ما كبُرتُ يوما
ولا فكّرتُ في هجران البلد

على مقعدِ الجامعةِ زحمةٌ لا تُحتمل
على مقعد الجامعةِ تتربَّعُ تونس
أَزْهُو بأوشامِها
بالخطاطيفِ تُطرّزُ بياضَ البلاد


بالياسمين...


أعجبُ
لعطشِ مجردَةَ
[1] على خصرها
لانحناءاتِ ظهِرها
أسألُ...
يا بلادي كم عمرًا في المنافي البعيدةِ ضيَّعْنا
.....ولم نُعدْ لكِ صباكِ...

على مقعدِ الجامعة يُحاذيني الحبيبُ
كلُّ دفاترِ الدّرسِ رسائلُ شوقٍ
نَخطّها ثّم نمضي ضاحكيْن
"هل ترى مثلى من السّماءِ البعيدة منفذا
إلى سماء أبعدَ؟"

"دَعينا نُرتّبُ أيّا مَنا القادمة"

وأسألُ
"لمَ لا تُحبُّني مثلما أشتهي
وتنسى عندي أضلعَك؟"

على مقعدِ الجامعة رُفاتُ الأصدقاء
وحدَهم الأصدقاءُ إذا متُّ يُطيلونَ بُكائي
ليُردّدُوا شعوذاتي التي حفظوا
" الشعر...
هو ما ينظمُ حركةَ الفصول
والشّعر...
هو ما يُلوّنُ مدنَ الصّقيع
والشعر...
هوَ ما ارتجفَ لهُ الله
ليقولَ بكَ يا عبدي آمنتُ
والشعر..."
فإذا اشتعلَ تابوتي...
فرُّوا
إلى حبيباتهم ساخطين

على مقعدِ الجامعةِ زحمةٌ لا تُحتَمل
حصارٌ...
يطيلُ عمرَ الصّمتِ
وكلُّ المقاعدِ خاليةٌ
إلاّ
من الانتظار
مرّت كلُّ القاطراتِ مسرعةََ
إلى منافيها
...
ولم يجئ النبيُّ.

قفْ يا شاعرُ
لتُزهرَ تحتَ قدميكَ الصّباحاتُ
قف
افتح كتابكَ
نأْوي إليه خاشعين
نَعودُ أطفالاً...
نُكايدُ حبّاتِ المطر
نُبحرُ...
زوارقَ من ورق
إلى أقصى الشرق
أقصى الشرق
ثمّ نعودُ فاتحين

نصيرُ أيَّ لغزٍ بالكتاب
أحرفََا
أسطٌرًا
أو مجازًَا هاربََا
نَنسى...
أننا كنّا مقاعدَ
وأنّهُ كان...
يُدمينا الضّجر

تونس 2003


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ تسمياتٌ على مسامعِ الظّل


مُسْتوحدانِ...
أنا وظلّي
نرسُمُ للحلمِ سلالمَ
...
مستوحدان
لا وفيَّ لنا
نُسمّي الدّفاترَ عمرًَا
[ الأسماءُ...عرائسُ سكّر
...
...
...
والعمرُ...خيولٌ تهاوت]

عندما تُرحِّلُنا ريحُ الشّمال
ترحّلُ الظلَّ والأسماء
ورغبة طفل أن لا يَئوبَ
تُرحِّلُ سلالِمَ...
دفاترَ...
قمرا...

القمرُ لا ينامُ إلاّ على طرفٍ كحيل
الدّفاترُ جاريةُ الضّاد
أَسلمَت لها الجسدَ العاري وقالت
زُفّيهِ للماء
شكّليه
انفُخي فيه منكِ...

السّلالمُ...
نخلُ الحفاة إلى
...
نشيدٍِ في جوف اللهِ صداه
والرّومُ لم يعرفوا يوما
كيفَ السلالمُ بسطت لنا الصحراء
زوّجت النخيلَ لظلّه
لتَتهادى الثّملاتُ على أفواهِ الأنبياء
وينام خطافُنا
على قبابِ الوجدِ
آمنًا...
كأنّ السلالمَ
في غفلةِ الظلّ
بلا دفاترَ للأسماءِ صارت
كأن الأسماءَ بلا سلالمَ للصحراء
صارت
على درجِ البياض
يحضنُ الفخّارُ دمَهُ
والشرنقات غمامُ ظلّنا
تسامقُ القبابَ إلى النخيلِ
إلى النشيدِ
إلى جوف الله ...
سرابًا للسراب

كأن السلالمَ بلا دفاترَ للأسماء صارت
حين نُسمّي نقولُ: شهداء
كأنّ الأسماءَ بلا سلالم َ للصحراء
صارت
حين يُسمّي المنجلُ يقولُ
أنا المطعونُ في أرضه
...
...
يا ظلّي الراكضةُ بهِ الدّفاتر
اخرجْ
من ضلالةِ الأسماء
هنا
على السلالمِ دفاترُكَ
معراجًا للمعنى
سفرًا للماء في الماء
إسطرلابا تتهجّاهُ الريح
حمّالَ لهب:
فالأسماءُ
عرائسُ سكّر
والمنجل
يُعانقُ الدّفتر

تونس 2000

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ممرّاتٌ ضيِّقَةٌ لجسدٍ مهجور

لي
ما يُعيدُ ترتيبَ المشهدِ
ولي ما يَفضحُ الصّمتَ بيننا
دعْ تلوينَ الوسادةِ بقُبَلِ المساءِ
شاحبةً
استرقْ نفسًا قصيرًا
واخترْ طريقًا أخرى
إلى...
شفتي
...
لي ما يُعيدُ ترتيبَ المشهدِ
ولي مل يفضحُ الصّمتَ بيننا
أنا لا أُطالِبُكَ برتْقِ الزّمنِ
لكنّني أطالبُكَ بدهشتنا الأولى
كلّما أيْنَعت قُبلة
هامَ النّهرُ بيننا
وأنجبَتنا أغنية
في الممرّاتِ الضّيِّقةِ
لجسدٍِ مهجور

تونس 2003

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رسولٌ في انتظارِ البرق

"كم تُراها تتحمّلُهُ حنجُرَتُه؟"
يردُّ الصّدى
احمل سلالَكَ وامضِ
لم يترُكوا سمراءَ بلا نحيب
لم يترُكوا حرّةً
لحرِّ...
رحلَ الذين يُقرئُننا لُغةَ الجبالِ
...رحلُوا
والذين يقرئوننا جنازاتِ الهزائم
...على القصيدةِ جثموا

موزَّعةٌ همساتُ العشّاق على المدى
يفْجأكَ القفرُ
كلّما في الحلق
تفتّحَ للعشقِ نغمُ
...هوَ العاشقُ ليس يُضنيه انتظارُ
كما البحر
يغفُو
فلا يحدوهُ مرسى
غيرَ أعين شرّدها الرّقيبُ
وتُهدهدُ نفسَكَ،
قمرُ الأعين لم يزل عُمرُ
[2]
والعشاقُ زيتُ النجوم
يُضيئونَ لنا الدنيا
يا ليلُ،
لا تُجهش بالغياب
يا ليلُ لا ترحلِ الآن،
يحلُو العناق..

يردُّ الصّدى
سلْ عرائسَ البحرِ
فيمَ الشّدوُ الحزين
كأنّ زبدَ البحرِ زفراتُهنَّ
وكأنَّ حدودَ السّماء
أطيافٌ لأحبّةٍ من
دخان
... على عجلٍ
يذرفُ الليلُ أحلامَ الفقراء
ويمضي
يفتّتُ على وسائد الشهوةِ
ما تبقّى
من ضلع الآلهةِ
فيستحيلَ الغزل

خجلاً
...
على ذات الوسادة
تفترشُ التلالُ البعيدةُ
حزنهَا
ترنُّحًا...
تروي السنابلُ
الحكايةَ
"أوّلُ عشقهم مثلُ آخره
مرّةً
زوَّجوا القديسةَ رجلين
ومرّةً
تهاوى على أعتابها بكاءً
قصَّ شعرَهُ حين طَلبت
إليَّ بكحلِ الحجاز
كان ...
في غمرةِ استعارَةٍ مكسورَةِ المجاز
ضيّعَ الطريقَ إليه
...

...
أحرقَ كفّيْه لمّا عطِشت
لم تطلُب زَمْزمَ
ففيمَ خرسُ الأردن...
هديلُ النهرِ لم تسمعهُ
لم ترتوِ
احمل سلالكَ وامضِ
أغاني الوجد التي طارت بكَ
ليست لهم.
هيَ ذي آثامُهم
أكبرُ من نشيدٍ
يُكفّرُ عنها

موزَّعةٌ خرائطُ الوطن
عــــــــــلى القصائــــد...
موزّعـةٌ قصائدُ الوطن
عـــــلى الخرائـــــــط...

يفْجأُكَ القفرُ
إذا الشعرُ ألهبَ السؤال
يا أيّها الشاعرُ
لكَ صوتي
والضادُ عروسُ القلم
كم تُراهُ نزفَ
كي يصيرَ معقوفًا عليها
إني...
أبصرتُ الأحرُفَ
توقدُ نقاطَها مصابيحَ
وباركتُ القوافي
أهازيجَ الرعاة

ضُمَّني
يا شاعرُ ضُمَّني...
لنقترفْ فضائحَهم
لتهوِ التماثيلُ التي عبدوا...
...
هو ذا سيزيف منهم
يكوّرُ صخرَتهُ
الأخيرة
فلندحرج نحن
صخرةً أخرى
لألاّ ننحدر
...

يـــــــردُّ الصّـــــــدى
هنا مثلُ المخذولِ في
أهلِه
تهسهسُ الريح:
يائسةٌ خيمتُنا
أَحرقَت أوتادَها
ليستضيءَ آخرُ الشعراء
نطقَ مرّة
رقصَ العبيدُ
أحرقوا السياطَ
أحرقوا البلاط
شقّتِ الحقولُ شقائقَها
ردّت الطيور
" اثأرْ للطبلِ وللنار...
اثأر..."

وتظلُّ...
وحدَك الشاعرُ
تتهجَّى ما أورثََه عقاب
لنورسٍ
لتعلّمَهم لغاتٍ سبقتَهم إليها
وتُذكِّرَهم بالسماءِ
رذاذًا أسودَ
على هاماتهم تشظّت
وبالليل...
في غفلةٍ من الشمس
يذرُ بهجةَ الصحراء

وحدَك...
يجيئُك اللهُ ليبلُوَكَ
بأشعارِهم
وينساك...
رسولا آياته الحزنُ عليهم
فتطالعُك موازينُهم أثقلَ
من أوزانِ القصيدة
فمن تراهُ
يقيمُ عكـــاظا جديدة
لأوجاعَ موسمية؟
من يحمل عنكَ أوزارَ القبيلة
ليصحوَ الحلم الذي أهملوهُ
على خصرِ راهبة
هيَ ذي آثامُهم
أكبرُ من قصيدٍ
يُكفّرُِ عنها

اترُك سلالَكَ وامضِ
كلُّ الأغاني التي
طارت بكَ
ليسَت لهم
يا القطارُ انتظِرهُ
الزّمنُ الهاربُ هو الزّمنُ
الجمعةُ جمعةٌ
والخُطبةُ خُطَبُ.

يرُدُّ المفلِتُ من القطار
"يا أيتُها الآلهات التي
تطوفُ بي
تدنو منّي
تعالَيْ إليَّ
أسنِدي وجعكِ إلى
سفوحِ لفافاتي
إلى حشرجةِ صوتي
ونامي
أنا لن أوقِظَكِ
حتى...
يَجيئَني منهم برقٌ
أنا لن أوقظكِ إلاّ
متى
استيقظتُ فيهم


تونس 2002


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مجُــوس

...
فجأةً
يَجلِدُنا الأنا بالسّؤال
لم يكن للغيمِ اسم حين التقينا
ولم تجئْ
من الكهوفِ كائناتٌ... لا
...ولم يَسبقنا إلى القبلِ السعيدةِ
الهٌ غيوُر
يَحرِمُنا لذّة الإثم
ويَشطرُنا مثل التفاح ليقال
ذي الأرض...
وتلك سماء

لا لم نكن نشتهي أن نفترق
لكنّها حوّاء...
أو ربّما لم تكن حوّاء
هي القافلةُ تجرُّ القافلة
والمنفى أوحدُ
تدمر مثل البصرة
أشبهُ بحصوننا الوهميّة
وبصلواتٍ للتفكيرِ عن النبوءة
أشبهُ...
بحرائقَ نلهبُها كي لا نسأل
من الذّي أعدمَ جدّه؟
ومن أضاعَ ظهره في الدروب؟
ومن الذي يُرجى من توقيعِ اللغة
وكلُّ الطّبولِ دُقّت للحروب...

أشبهُ
بمواعيد
نضربُها مع اللاتي صدّقن الرّؤيا
نحتفي
بالشعرِ مَهدا للخمرِ
مُعتّقةً في أفواههن
ونهوي
..........
..........
من أفواهِ المولعينَ بالبُكاء
"كان يحبُّها
فأدرَكَهُما الضّياء"

...
لا لم تكن حوّاء
هيَ القافلةُ تجرُّ القافلة
والمنفى أوحدُ
...
تسلّلتِ القيامةُ إلى
أناشيدِ الأطفالِ
قيلَ
ما من حلوى لهذا العيد
فكلُّ الألوان بيضاء
أو
بيضاء...

فجأةً
صَمتَ الذي يُحصي خيباتِنا
فمَضينا
نذرُّ الملحَ على البصرة
ونغرِقُ في النهرِ أطفالَنا
ثم خشينا
أن يُعاوِدَنا الصوتُ
فرقصنا
حولَ النارِ
مجوسًا
وانتهينا
لا نصغي إلاّ
لِسوْءاتِنا
...


تونس 2000


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خجل

في دمي
كلُّ العازفاتِ انتكسْنَ
كلُّ العازفاتِ ألفنَ عزفًا
مُمزّقَ الخطى
ويمزِّقُني...
أنّيَ بلا خطى
وأنّ نوحَ السّفينةِ أدركَ السبيل
[لم أُدركهُ أنا ]

صديقي في الخطوِ
أين لحيتُكَ البيضاء
أين ما يهتدي بهِ
إليكَ
شُعراءُ...
شُعراءُ...
شُعراء

أنا مثلُكَ
أحملُ زوجَين من كلِّ الخلائقِ
على البكاء
لأنقذَ الحرفَ من رقصِ الكلماتِ
في الهواءِ المختنقِ
...
مثلُكَ أنا
أنحني
للغةٍ
تعدُ بالوصالِ
وتُخلفُ متى
ألحَّ الانتظار
...

مثلُكَ
أنّاتٌ إلهٍ في بدءِ التكوين
طارت بِها العنقاءُ
وضيّعَها الغرابُ
...
إني
...
فهل أنتهي مثلَُكَ
بلا مرآةٍ

تُراهم يَزُفّون إليَّ مُدنَ
المسكِ والصّندلِ
أم يزُفّوُن للطيرِ خَبري
"أقامت بيننا
وارتحلََت في المجاز
يا طيرُ لكَ فيها سكنُ
وعلى ركحِها غناء"
...
وتُراهم
؟
أم تَراني
ضيّعتُ العمرَ
في أحابيلِ لحيتِكَ
وأطلتُ الوقوفَ تحتَ سقفِ
...الأنبياء


تونس2002

ـــــــــــــــــــــــــــــ صلواتٌ لليلٍ بمشهدين

للمشهدِ وجهان ...
عموديٌّ... وعمودي
هذه الأرضُ قطريّةُ الوجع
وأحبُّها
فتَطوفُ بيَ الأزاهيرُ...
تُسوّل ليَ العالمَ
قُزَحِيّا

أطرَبُ
لريحٍ تُراقصُني
لغيمةِ الحرير
تمدُّ أليافَ القطن...
تحضُنني
أبكي...
كمن تلاشى في القطنِ
إذ تَلفُظُني
تبكي...
كمن اعترتْهُ طفولَتُهُ
إذ تشتهيني
تسّلّمُني للأماني
أنقّلُها كالشهبُ من نجم إلى نجمِ

وأظلُّ أعلُو
لأُوار َيني بين الّنيازك
أذرفُ الأشياءَ مع القصائد
أنثرُ حبّاتِ الوقتِ
ولعنةََ الأسماء
لأرى الذّاكرةَ موزّعةً
على قممِ الثّلجِ
ولا أُبالي ...

طِرْ بي يا حصانَ الصّمتِ... طِرْ
أسرِ بي
ولا تَعرُجْ على قناديلِ الغضبِ المطْفأة
لا ضفّة تتّسِعُ لحُلمِنا
لا التّكويرُ أعجزَهم
لا سماءَ تعْلو سماءَهم
وحدَها...
غربانُهم تُبشّرُ الكائناتِ بريشٍ أبيض

خُذْ منهم جنازاتِهم
ووَزِّّعْ على أعناقِهم أكاليلَ الأبجديّة
قد...
يَشتاقونَ سفري
بينَ أروقَةِ الكلمات
أو يفهمونَ غُربَتي
إذا ما حلَّ عيدٌ
وتَمنَّعَت حبيبات
أو اشتدَّ بردٌ
ليستَلَّ من ريقِ الفقراءِ طراوةَ القبل
أو نادى الوطنُ
فتصدَّّت جوازاتُ السّفر

ويصرُخونَ في ذكرايَ
كم أَسْرفَت في حبِّ البلاد
حتّى عَرَّت ما تبقّى من سترِها
وأَذلّت بكاءَنا الطّويل عليها
فهَجَرْنا قصائِدَنا
...
قصائدي وأَعترفُ
لكأنّها لغةُ الحريرِ
أكبرُ منّي
ومنهم
ومن فواصلِ التّاريخِ لا نختارُها
ولكن ... تُحرِجُنا

قصائدي
أنا أعترفُ
كأنّها لغةُ الحرير
وكأنّيَ الزّمنُ الضّوئيُّ
لا ينسى أمجادَه
يرتحِلُ بابن خلْدون أينما حلَّ
شاهدًا على الفضاءاتِ...
ليُقيمَ في السِّرِّ أعراسَها
ويَترُكَكم للموتِ يُعدّدُ كُفرَكم
كم جثّةً نسيتُم على سلالِمِكم
كم خُطافًا لم تسعفُوه بالزّيتِ المقدّسِ
كم مدنًا هجّرتُم أنبياءَها

وكنتُ المُحاصرَةَ برفاقٍ
أُسْمِعُهم صلواتِ اللّيلِ فيتذمّرون
"لا المدُّ مدٌّ...
لا الضّمةُ تضمُّ للقلبِ فرحًا كذُوبا"
...
وكُنتُ المُطارَدَةَ بأقوالي...
منبوذَة في وطنٍ نصفُه شعر
لأنْ لا تُسمَعَ أشعاري
...وكنتُ التي لا تُغريكم طبولُها
وكنتُ التي ألهاكُم عنها تكاثرُكم

وقلتُ
سأترُكُكم لأعمدةِ الوقتِ
تُملي عليكم سننَ الجاذبيّة
قلْ
ما تشتهي الأرضُ أكثرَ
... من دورانِها
وما تستطيعون لها أكثرَ
من غثيانِكم


لكنّهُ الوطنُ
لا يتّسِعُُ في قلوبٍ ملؤُها ضيقُ...
لا القبابُ تُأتي حليبا
لا العناقيدُ المصلوبَةُ على المساجدِ
تُسكِتُ رُضَّعَ المدينة...
طِرْ بي يـــا حصانَ الصّمتِ...طِرْ
ذي قصائدُ برزخٍ
لا تعرفُ الملح
وأنا شاعرة
لا أستطيعُ للماءِ شيئا
ولا للّرّيح



تونس2002


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حـــمّـــى القصائد

صباحَ الحكاياتِ الزّهريّةِ يا صبايا المدرسة
صباحَ اللّقاءاتِ الخاطفة
تُشعِلُ عمرًا
تُذهبُ آخرَ
صباحَ مناديلِ الوداع
تَطويها القاطِراتُ وتمضي
...
كأنَّ كلَّ الأحبّةِ عائدون

صباحَ المقصّاتِ يا حلاّقَ الملك
صباحَ الأسرارِ في مقهى الدّبّاغين
خافتةً...
تخرُجُ من بين الصّلبِ والعذاب
تخرُجُ...
لعنةً على القائلِ
على النّادلِ
على حبّاتِ السّكّرِ
على رائحةِ النّعناعِ
إن هيَ طارَت فأفشَت
ما ضاقت بهِ الضّلوع

يا بحرُ...
خُذْ كتمانَنا وارحلْ
أو ارمهِ خلفَ ظهرِكَ
خشيَةَ تَكَلُّسِ الملحِ فيكَ
أو ارمهِ خلفَ ظهرِكَ
خشيةَ أن تَفيضَ بهِ
خُذْ ما أوتينا من كتمان
واتنا ما شئتَ من لغةٍ
صباحَ الصّباحاتِ يا لُغتي

تمّحي التّقاسيمُ
ويبقى ابنُ منظور
فرِحًا
مُتأَبِّطًا لسانَهُ السّحريَّ
تُراقصينَهُ
وتحُطّينَ على شفتيْ درويش
المجدُ لهذا الدّرويش
كيف صيَّرَ الأسماءَ غيومًا
لِيقفِزَ إليها متى شاء
المجدُ لَهُ
كلّما أمطرَت ذكرناهُ قائلين
هل تُمطِرُ في يافا
وهل يعودُ البحّارُ آمنًا

وقضى شِعرُهُ أن نحمِلَ الجرحَ سويًّا
لنبكي قِلاعَنا إذ تهاوت
في النفسِ
نُقعْقِعُ بالكلماتِ
ونسألُ
صباحَ الصّمت
أما من أحدٍ يردُّ السّلام؟

صباحًا
لا يَهُمُّ إن سألْنا كيفَ تَكونُ البِداياتُ
صدفةً نولَدُ
لسنا نعلمُ كيفَ رقصت اللاّمُ في كفّ اللّغة
نولدُ
حَبّةَ قمحٍ
لسنا نعلَمًُ كيفَ تُصبحُ الحبّةُ
انتفاضةَ خبزٍ
ونعجبُ
ما اللغةُ يا لُغتي إن لم يشبعِ الفقراء؟

كم بسطتُكِ للّذينَ أحبَبْتُهم
فخذلوني
حيّةً
أَسرعُوا إلى دفني
ومعي تفاصيلُ تاريخِهم
بالأبيضِ والأسودِ
ومعي حُبيباتُ عنبٍ
كنتُ أنوي نثرَها بالمشرقِ
ليَتَوحّدَ المذهبان
ومعي تَوجّسُ أمِّي من أحلامي
لا تَقْرَبي الحكّامَ طفلتي
إنّهم إذا حكمُوا ظلموا

لَهفي على ليلِ الشّعراءِ
ما أطوله
أطفالٌ يرعاهم حزنُهم
عسى أن يكبروا
ولا يكبرون
ونرى صباحاتِنا تَذوي
كأنّها
تستعذِبُ حُمّى القصائدِ
ونرى الحليبَ الدّافئَ
يقطُرُ من عينِ أمٍّ حنون
تُحمّسُنا لنُراقِصَ المفرداتِ
والمفردات
وتُزيّنُ لنا الأماني
نُطلِقُها...
ثمّ نُلاحقُ أطيافَها
في خفقانِ الورق

ما أرحبَ الكلامَ إن اتّسعَ
لأصغَرِ الأماني
أصغرُ الأماني بحرٌ
يدخُلُ من ثقبِ الباب
ليسكُنَ في عيْنيْ أحمد

خُطافٌ ينقُرُ الشبّاكَ
يُترجِمُ إيقاعَ شوقِ حبيبَةِ أحمد
شمسٌ
تُثبِّتُ على أرضِ أحمد
ظلَّ أحمد
هل كثيرٌ على أحمد
أن يحمِلَ صباحَهُ في كفّيهِ
ولا يسرِقُهُ الغراب
هل كثيرٌ على شاعرٍ أن يقول
صباحَ الوطنِ يا أحمد.

طوفي بي يا مفرداتي طوفي
تهوي مدنُ الأشباحِ ويبقى
رقصُكِ الأُرجواني
تَطوفينَ بنا
وتَطوفين بهم
وتطوفينَ حتّى....
يُغالِبنا الكلام


تونس 2003

[1] أطول وادي يشق البلاد التونسية
عمر بن أبي ربيعة.[2]

ليست هناك تعليقات: