الثلاثاء، 12 جوان 2007

الملتقى الثاني للأدباء الشباب العرب بالبحرين


المنامة ـ القدس العربي ـ من عبد العزيز الراشدي

اختتمت قبل أيام، بدولة البحرين، أشغال الملتقي الثاني للأدباء الشباب العرب الذي نظمته مؤسسة المورد الثقافي بتعاون مع غاليري الرواق، وجريدة الوطن ، وعرف مشاركة أدباء شباب من كل من الجزائر وتونس وليبيا ومصر وفلسطين، والأردن، والبحرين، وسلطنة عمان، وسورية والسعودية والمغرب. وقد تضمنت أشغال هذا الملتقي ورشات في الشعر والقصة القصيرة أطرها كل من خالد مطاوع، الأستاذ بجامعة ميشيغن بالولايات المتحدة، وسحر الموجي، الروائية الصحافية والأستاذة بجامعة عين شمس بالقاهرة، بالاضافة إلي محاضرات حول التجربة القصصية والشعرية العربية الجديدة ألقاها كل من الصحافي المصري سيد محمود والناقد البحريني محمد البنكي. كما تضمن البرنامج قراءات أدبية للمشاركين بكل من غاليري الرواق ومركز الشيخ زايد، علاوة علي لقاء مفتوح مع الأديب البحريني قاسم حداد تحدث فيه عن الكتابة والموسيقي وآرائه حول التجربة الشعرية الجديدة.. في اليوم الأول للقاء، خلال جلسة الافتتاح، أكد خالد مطاوع علي أهمية اللقاء باعتبار أن هذه الدورة لم تتعثر كما حدث للدورة الأولي بالقاهرة التي واجهت مشاكل، وأبدي سعادته لتمكن المورد من لم شمل كل هؤلاء الأدباء الشباب الذين يمثلون الصورة المستقبلية للمشهد العربي الثقافي.. في محاضرته حول الأدب الجديد، أو أدب التسعينيات كما أسماه، أشار الناقد البحريني، رئيس تحرير مجلة أوان إلي إشكالية المفهوم، الذي اعتبره مصيدة، لأنه مبني علي مصادرات عدة جري تمريرها داخل العنوان. وتساءل، هل هناك أدب تسعيني؟ ما هي مقوماته وخصوصياته؟ ألا يبدو الحديث عن هذا الأدب جلبا لنوع من القطيعة؟ هل أحدث هذا الأدب (إذا وجد) فعلا قطيعة؟ هل نسمي أدب التسعينات ما يكتبه فقط الكتاب الشباب أم أن الكبار الذين طوروا أساليبهم تسعينيون أيضا؟ ثم لاحظ استحالة القطيعة لأن الكتابة استمرار في الزمان والتجربة... وحدد محمد البنكي آليات التقسيم، واعتباراته فخلص إلي أن تحقيب الأدب ينطلق من منطلقات أهمها: ـ فكرة الأجيال (الزمن)، حيث أن المنطلق السوسيو أدبي أو التاريخ أدبي، يمنح الباحث هذه الامكانية. لكنه عاد وأكد بأن التحقيب مجرد حيلة قديمة وكسولة يلجأ إليها الباحث، ونفي أن يكون الفصل ممكنا مادام الأدب يستمد مادته الأساسية من القديم اللغة، الاحساس، التراكم الوجداني..). ـ التراكم، مقترحا مَثَل الجوائز التي كرست صيغة أدبية وأسماء معينة، كسحر الموجي، ورجاء عالم، ويوسف المحيمد، هدي أبلان، هدي العطاس، وجدي الأهدل، فخري صالح، ياسين عدنان، خليل صويلح... ثم تساءل، هل تقتصر التجربة التسعينية علي الجيل الجديد؟ أم أن تحولات أدباء الستينات يمكن إدراجها ضمن نفس الإطار، لتكون منطلقا آخر لتحديد المفهوم؟ فقاسم حداد مثلا وعباس بيضون وغيرهما راكموا تجربة غنية ومختلفة تحايث من حيث الأشكال والمضامين والرؤية ما يكتبه التسعينيون... وعلي مستوي المتابعة النقدية، أشار البنكي إلي تجربة كل من ادوار الخراط وصبري حافظ، وكمال أبو ديب، وعبد العزيز بومسهولي ومحمد لطفي اليوسفي، التي تابعت هذا الأدب وحاولت التنظير له.. مبرزا بعض هفواتها، حيث انعكست المتابعة في بعض هذه التجارب علي الذات بدل الموضوع. ثم تحدث عن النقد الجديد الذي يقترح قراءة عاشقة لهذا الأدب، ويدخل عليه من باب الجمال.. ولاحظت التدخلات وهي لكل من المغربيين محسن أخريف ورشيد منيري، والسورية مرام اسلامبولي، الفلسطينية مليحة مسلماني، والمصريين محمد عبد النبي ومحمد صلاح العزب، والتونسية يسري فراوس، والمصرية سحر الموجي ... عمومية الطرح لدي التطرق، علي مستوي القراءة، لتجربة الكتاب الشباب في الوطن العربي، إذ تلجأ القراءات في الغالب إلي الحوم حول التجربة دون إبراز الخصائص الفنية والجمالية لهذا الأدب ودون إعطاء أمثلة محددة، كما لا حظت تدخلات أخري تهافُت الكثير من الكتابات التسعينية التي تعتني بالبيانات بدل الكتابة، مما يجعل طموحها أقوي من قدرتها.. ولامت تدخلات أخري النقد لعدم مواكبته الزخم الابداعي الجديد مع التأكيد علي ريادة هذه الكتابة وانفتاحها علي الأفق العالمي من خلال ثراء الإطلاع وقدرة الكاتب الجديد علي القراءة بلغات عدة.. وفي معرض تعقيبه عاد محمد البنكي إلي الاتفاق مع الكثير من هذه الملاحظات، مؤكدا في الوقت ذاته أنه مبدع، في صف المبدعين، وأنه لم يأت إلي الجلسة ناقدا... المحاضرة الثانية للصحافي سيد محمود، حول الرواية الجديدة في مصر، كانت محاولة لمسح المشهد الروائي الجديد، الذي أكد المحاضر أهميته بخلاف الشعر الذي يعيش أزمة مع القارئ. هاته الأهمية صاحبتها مواكبة نقدية بعد الثمانينيات مباشَرَة، ونجحت في تكريس تجارب لدور نشر واكبت هذا الزخم فاستفادت بدورها وأخذت حظها.. وأوضح سيد محمود الاختلاف الحاصل في تفسير هذه الموجة من الكتابة، حيث يرجعه البعض إلي تشعبات المكان (القاهرة تحديدا)، حيث تعتني هاته الكتابات بالمهمش والهامشي (لصوص متقاعدين لحمدي أبو جليل، بمناسبة الحياة لياسر عبد الحافظ، أن تكون عباس العبد لأحمد العايدي، وغيرها...) بينما يقرأه البعض من منظور موت القضايا الكبري والاعتناء باليومي.. وتساءل: ماذا اكتشفت الرواية الجديدة لتحظي بمكانتها؟ أهو التشظي؟ اكتشاف العنصر السير ذاتي؟ الحوار بين أشكال كثيرة من الكتابة؟ التشكيل النصي؟ الغرائبية؟ (كما حدث حين كتبت ميرال الطحاوي عن البدو، ونالت شهرة واسعة) ـ الاهتمام بالأطراف؟ ربما هي أسباب تجتمع لتمنح الرواية المصرية الجديدة، والعربية عموما خصوصيتها التي تكرست بمقاومة الكتاب الجدد لكل أشكال الاقصاء ونزوحهم إلي النشر بشكل فردي بدل الاعتماد علي مشاريع النشر الرسمية كالسالفين... واستمر النقاش بخصوص هذا الموضوع ـ الذي اعتبره الشاعر المغربي محسن أخريف نوعا من البحث عن كسب الريادة للأدب المصري ـ لوقت طويل، إلي أن اضطر المسير إلي إيقاف النقاش بسبب ضيق الوقت.. في مداخلته حول الموسيقي والكتابة، أثني الشاعر قاسم حداد علي جمالية الحذف، وأوضح بأننا لا ينبغي أن نكون عاطفيين تجاه نصوصنا، وأن الكتابة تمر عبر مستويين: التدفق الذي يحتل أهمية قصوي، وإعادة التشكيل الذي يحتل الحذف خلاله الجزء الأهم.. وتساءل: إلي أي حد نستطيع ككتاب مغايرين اقتراح مفهوم جديد للموسيقي في النص؟ سواء في الشعر أو النثر؟ وأثني علي الكتاب الجدد الذين يأتون إلي النص عراة من أسلحة الوزن والقوافي. فالذي يأتي وفي جعبته هذه الأسلحة ـ حسب الشاعر ـ يوهمنا بأنه يمتلك جزءا من الشعر، بينما يتحمل كاتب النص العاري المسؤولية الكبري في تحقيق نصية النص، وهذا ما يجعل النص عند الأخير أكثر جمالا، كما يفيد هذا النوع من الاشتغال الكاتب في البحث عن صيغ (فلسفية) لإقناع القارئ بجدوي عمله، كما يعينه علي إنتاج مفاهيم جديدة والتعمق في اكتشاف الجماليات والاحتمالات بشكل غير محدود، ويفيد من جهة أخري في التعاطي مع اللغة الأم بعيدا عن الزخرف والبلاغيات التي تخلق حجابا سميكا بين الكاتب ولغته. مداخلة الأديب قاسم حداد، جاءت في أغلبها علي شكل أسئلة ، تفضح القلق الكامن لدي الشاعر، ونزوعه إلي الشك، بدل الأجوبة الجاهزة، مما جعلها تحظي باهتمام الكتاب الشباب فتساءل الكاتب المسرحي عمرو سواح من سورية، عن رأي قاسم في العودة إلي التراث؟ وتساءل باسم شرف من مصر عن علاقة الكاتب بنصه، هل هي علاقة واعية بالضرورة؟ فقد يكتب الشاعر قصيدة نثر لكنه يكتشف بأنها موزونة.. وهل يقترح قاسم حداد شعرا بديلا؟.. وتساءلت يسرا فراوس من تونس عن الطاقة الكامنة في اللغة، التي جعلت السابقين يضعون الأوزان؟ وتساءل صالح قادربوه من ليبيا بخصوص التجريب في الشعر وموقف قاسم حداد منه؟ بينما تحدث محمد خضر الغامدي من السعودية عن التجارب المشتركة لدي الشاعر مع كتاب آخرين.وتساءل وليد الزريبي من تونس عن القيود التي يقترحها الشاعر في الكتابة ومدي تناسقها مع طرحه الفني؟ وأكدت ديالا خصاونة من الأردن في السياق ذاته علي أهمية نزع القداسة عن اللغة وتساءلت كيف يقوم الشاعر بذلك؟ وتساءل رشيد منيري من المغرب عن التعاون بين قاسم حداد ومرسيل خليفة؟كما تساءل مازن حبيب من سلطنة عمان عن أوقات الكتابة؟ وأكد الفارس الذهبي من سورية علي أهمية التصوير ومسرحة النص الشعري. بينما اختتمت الجزائرية فائزة مصطفي لائحة التدخلات بالتساؤل حول شعرية القادمين إلي اللغة العربية من قوميات أخري؟ في معرض جوابه، أوضح الشاعر أن العودة للتراث لا تعني ترك العالم ، ليست نوعا من الاستلاب، الحرية أمام الكاتب الشاب كبيرة، لذلك عليه اقتراح جماليات جديدة، دون إغفال قراءة التراث كي لا يُسلِّط علينا التراث سيفه.النص مقدس في المجتمع العربي، وقراءة هذا النص أضحت أيضا مقدسة مع مرور الزمن، فأين هي حرية المبدع؟ أين إبداعه وذهابه إلي النصوص الأولي ليعرف أن الخليل بني فقط علي نصوص قبل الوزن وأخذ منها ليبرر طرحه؟ لا أقترح شعرا بديلا ـ يقول قاسم حداد ـ بل مفاهيم جديدة للشعر. وأنا لم أقل بأن السابقين لم يفعلوا شيئا، فالأوزان واحدة من عبقريات التراث العربي، لكن علي الجيل الجديد أن يعطي مبررا لوجوده من خلال إشعال المخيلة واقتراح الجديد.. ليست لدي وصفة جاهزة للتعامل مع التراث، وعشق اللغة ضروري. حين أكتب، أسجل مقاطع وصور متفرقة، لكن لحظة الكتابة تتطلب الجلوس إلي الطاولة، وبخصوص الصور، أغذي المخيلة من البحر والسينما، وأري الأشياء بالدهشة ذاتها التي رأيتها بها أول مرة، الجمال في الداخل، وعلي الشاعر اكتشافه فقط، ومخيلتنا تمتلك كل زخم التراث الإنساني.. وبخصوص التجارب المشتركة، أوضح الشاعر أهميتها، فهي عادة تفجيرات مشتركة، لم يكن لها هاجس الحفاظ علي أسلوب الشخص، بل كان النزوع الأساسي هو ابتكار ثَالِثٍ موجود أساسا، فقد يبدأ الشخص من مسودة الثاني بالحدف أو الاضافة، وقد يأتي السارد من الشعر والعكس. أما تجارب القادمين من قوميات أخري فذكرت الشاعر بالتجربة الرائدة لسليم بركات الذي اعتبره قاسم عنوانا كبيرا من عناوين الشعر.. وعبر الشاعر عن قلقه من كلمة تجريب، فهو يشعر في الكثير من الوقت بأن الحياة تجربة ليست براغماتية، إنها الحياة، وبالتالي، يجد حواجز كثيرة مع المسرح التجريبي لأنه يقترح أساسا تجربة . ينبغي وضع النص في سياق الحياة، ولا ينبغي أن نتعامل في كل خطواتنا مع المحْتَرَف، فالنص خلاصة حياة. وتميزت الورشات التي نظمت خلال اللقاء، وتنوعت بين فتح النص وتقطيع نصوص قديمة وكتابة جديدة، باختلاف شديد حول أهميتها وضرورتها، حيث رأي بعض المشاركين بأن الورشات عديمة الجدوي بالنظر إلي المستوي المتميز للمشاركين وقوة نصوصهم، في مقابل استناد الورشات إلي صيغ تابثة تفرض علي المشارك رؤية واحدة لكتابة النص.وكذا حاجة الأدباء الشباب ليس إلي ورشات بل إلي اللقاء مع الجمهور وقراءة نصوصهم. وهذا ما جعل الكاتبين البحرينين علي الجلاوي وسوسن دهنيم ينسحبان من اللقاء بعد نقاش مع مديرة المؤسسة وخلاف حول وجهات النظر، حيث رأت الكاتبة البحرينية المشاركة في اللقاء عائشة الصقر، في السياق ذاته أن الكتابة ليست فعل أمر، وأن حرية المبدع مقدسة.. هذا الطرح رد عليه المنسق خالد مطاوع بقوله: ان مؤسسة المورد قد اشترطت علي المشاركين الالتزام منذ البداية بالورشات، وأن تلك صيغة عملها ولا يحق للمشارك مطالبتها بتغيير طريقة عملها التي تختلف بها عن الملتقيات والمهرجانات الأدبية الأخري... في أمسية تقييم الملتقي، أجمع المشاركون علي نجاحه، وعلي أهميته، إذ تمكن من كسر الحواجز بين الأدباء الشباب في الوطن العربي، مع تشديدهم علي انتقاد الورشات، داعين المؤسسة إلي النظر في اقتراحات الكتاب المشاركين من أجل تطوير الأداء مستقبلا.

ليست هناك تعليقات: