الثلاثاء، 12 جوان 2007

لا عواصم الا حيث استوطن الشعر


نص نشرته الشاعرة بالملحق الثقافي منارات بجريدة الشعب التونسية
عندما تحزم حقائبك باتجاه الجزائر فأنت تحزم شوقا موحشا نحو ملامسة ضلعكَ المائي الآخر... تحزم لهفتك على تلك العربية المائية الشديدة والعذبة في آن...تحزم حنينك إلى أصدقائك المائيين القدامى...أولئك الذين لم يجرفهم سيل الدم...تحزم تطلعك إلى وجهك في جبال ملامحهم... تحزم رهبتك من عيني الأمير عبد القادر والطاهر وطار وزهور ونيسي والبحري الحمري وعبد العزيز غرمول وأحلام مستغانمي وكاتب ياسين ومرزاق بقطاش وفائزة مصطفى وعبد الناصر خلاف وعبد الرزاق بوكبة وآخرين ممن لن يسهو عنهم القلب اللغوي...في مطار الجزائر، العاصمة الثقافية العربية لسنة ألفين وسبعة، كان كل شيء يوحي باستعداده لاحتضاننا... القهوة المعتقة يحملها المضيف في تواطأ جلي مع بياض أوراقي... الاستدراج الشقي الذي تتفنن في ممارسته الجبال الشاهقات المترامية حول شباك الطائرة... أعوان الجمارك وهم يوشوشون لبعض «إنهم جاءوا من أجل ليالي الشعر...» أسماءنا المعلقة على قلوبهم في بهو المطار: محمد الصغير أولاد أحمد، يوسف رزوقة، يسرى فراوس«هذه هي الجزائر أخيرا... حبيبتي التي بقيت جالسا في غرفة انتظارها ثلاثين عاما حتى سمحت لي بدخول مملكة عينيها السوداوين وأذنت لي أن ألثم يدها...» (نزار قباني) سطا علينا المكان فزمّ كل منا شفتيه... قسّط أنفاسه ودسّ شهقة الأطفال بين أضلاعه...لا وقت في حضرة الجغرافيا الجزائرية الناهدة لنثر أرضي... شعرية المكان المتعالي تصّاعد بأنفاسنا نحو النص... نحو «الكلام العالي...»في فضاء تعتد به الجزائر الشابة، في فضاء المكتبة الوطنية الجزائرية كانت الأعين تسري في الجسد المائي فتتخلل مسام الروح... تواعدوا على الشعر فاجتمعوا في قاعة الشاعر محمد الأخضر السائحي...لقد تعودوا على تظاهرة ليالي الشعر فبعد الليلة العمانية، جمعت الليلة الشعرية الثانية كلا من العربية السعودية وتونس وكأن الجزائر تصل الأكوان بالأكوان... افتتح الأمسية مدير عام المكتبة الوطنية الروائي أمين الزاوي بكلمة حيى فيها الشعراء من تونس ومن العربية السعودية وهم هدى الدغفق وعادل خميس الزهراني وريم الفهد والغاوين الذين تورطوا في النص. بالنثر العالي أعلن الروائي أمين الزاوي تلبسنا بالفضيحة البهية، فضيحة الشعر، ذلك الذي هو «صلاة الصلوات جميعها... متراس ضد ثقافة الكراهية... تناغم الأرواح... لمّ الأطراف، من جزيرة العرب إلى عرب الغرب كانت كلمة الافتتاح بيانا ملغوما ضد الوهم...إعلانا عن تشكل إمبراطورية الجمال... تلك التي نزول بزوالها... تلك التي هي الكوجيتو الحقيقي لعربيتنا العربى... ومن أعلى إلى أعلى...خاتلتنا الشاعرة السعودية هدى الدغفق صاحبة المجموعة الشعرية «الظل إلى أعلى» بنص يستل شعريته المرهفة والمتمردة في آن من سواد عباءات النساء السعوديات اللواتي يلتحفن عراء اللغة فوجدنا أنفسنا ممسكين بتلابيب الثوب وكأننا نسامق الذاكرة نحو فوهة الحلم:«أحيانا أبكي هذا القمر المتسلق غرفتناما ذنب عقاربه تضيءأسلمه الوحدة كل مساءيسلمني عينه العاشقة» ولأن الشعر هو ضفة الألغام الأجمل فقد حيكت الحكاية بين نص سعودي ونص تونسي التقيا في الممرات السرية لانزياح المعنى فكان أن قرأ يوسف رزوقة نصين مفخخين وهما محاولة لمحو الجبل والذئب في العبارة التي جاء فيها«ولا تاء في طاعتيلأؤنث شكلي وأجعلني زوجة لي»هو القلب لا يقوى على سطوتهم... يمررون الكلام في شرايينك... في خلاياك...تتحد معهم في المعنى... تماثلهم التنافر... تبادلهم الاستعارة... تتداعى حين يصرخ في وهران شاعرها ابراهيم صديقي ليعلن أنه لا شيء فيها يُحب وإنما حبها عنده هو من قبيل الالتزام... يساورك الشك حول ذاكرة المكان لتجزم انه على رأي الشاعر الجزائري حمري البحري: «ما المكان إلا أنت يا جزائر»...وتترنح فحين يغني الشاعر الجزائري جزائرنا القلبُ حباتُه تترنح«لم يبق لي من الوقت ما يكفيلأصنع أرجوحة لأحلاميوهذا السنونو يبني أعشاشه في سقف أياميوتطير في أفقلم تعد عيناي تقوى على قبض مداه»قرؤوا نصوصهم الآسرة... عمودية تصالح أذنيك على بقية أعضائك، ونثرية ينزل بها عبد الرزاق بوكبة على جسدك فيفك شفرة تماسكك المجازي ويموقعك في جغرافيا التداعي الجميل... ولأن إصغاءهم يحفّز خلاياك الشعرية... ولأنه لا يصبر على الأذى الجميل... فقد قرأ محمد الصغير أولاد أحمد نكاية في أولئك الذين يكيدون للحياة «لا تنس دورك في الحياة»«أمشي مع الشعراء دون حراسةفي المهرجان مسلحا بمترجملكأن الشعر وهو ظلي واقفليس التدرج في صعود السلم»... طواف بالنص في النص... قرأنا داخل فضاء المكتبة الوطنية... إلى شاشة الافتضاح الشعري على لسان الشاعرة ربيعة جلطي... إلى الأزقة حيث الجدران مملكات الشهداء الشعراء... إلى المكتبات ذات الأسماء التي لا تجدها إلا في الجزائر «مكتبة العالم الثالث» على سبيل الغزل... إلى ساحة الشهداء حيث يعلن العشاق ما به يقتات الشعراء والأنبياء...إلى المقاهي حيث جهاد فاضل وشوقي عبد الأمير وجيلالي نجاري وعبد الرزاق بوكبة... حيث الازدحام بأسئلة الشعر والحداثة والكونية والعراق...طواف بالنص في النص... كل شيء يدور من حولك ... كل شيء متحرك متدحرج نحو الأعلىالجزائر... بشعريتها الشاهقة... تدرأ عنها كل الشبهات لتنفرد بالشعر...الجزائر هنا الآن تعلنها ...لا عواصم إلا حيث استوطن الشعر...


ليست هناك تعليقات: