الثلاثاء، 12 جوان 2007

مسرحية خمسون في الأوديون


نص ترجمته الشاعرة للملحق الثقافي منارات بجريدة الشعب
مسرحية خمسون للجعايبي وبكار تضرم خمسون سؤال وسؤال
لم كل هذا العري... لماذا اتسعت بهرة الضوء...لماذا تمطّت الخشبة حتى شملتنا جميعا...كيف تقلصت المسافة فتجردنا من مقاعدنا الباردة وتوحدنا في وهج الانفجار...من سيعيدنا إلى تخفّينا...من سيزرر معاطفنا ليمنع عنا حرارة الفكرة...كيف سقط القناع... «في المسرح اليوناني القديم كان الممثل يضع على وجهه قناعا عندما يقوم بالتمثيل وكان القناع إما مضحكا أو موحيا بالأسى، والجمهور في ذلك المسرح العريق كان يدرك الغرض ويفهم المرمى من وجود القناع...وقد زالت الأقنعة من المسرح مع التطور وبمرور الزمن(السياسة والمسرح، علي عقلة عرسان، الدار العربية للكتاب، ليبيا 1991، ص 281) في المسرح الحديث، مع الفاضل الجعايبي وجليلة بكار سقط القناع عن المشاهد أيضا...لم يستثنيا أحدا...أقحمانا عنوة في لعبة الرداء الأسود...أوهمانا بأن سوءاتنا مستورة وأن ما لفّنا من أقمشة وألبسة إنما هو كاف ليكون قناع أيامنا...فجأة أدركنا أن حقيقتنا تكمن في عراء الركح...لماذا اختارت جليلة بكار والفاضل الجعايبي أن ننزع أقنعتنا لنأتي إلى الركح عراة حفاة. كان الانفجار التسونامي كافيا حتى ينتبه كل جسد إلى تشرذمه إلى الخمسين جزء...تشظت الأشلاء وانتهت اللعبة الانشطارية...بعد «جنون»، بعد الازدواجية والانفصام... بعد أن أيقنا أننا اثنان في كفن...دخلنا مع الثنائي زمنا عنقودي التكوين... خمسون ألف متر مكعب من هشاشة الشخصية التونسية...فسيفساء أحلامنا...مربكات ثقافتنا...قطع مؤلفة من حداثتنا...استقلالنا التابع...أجزاء عروبتنا...تفاصيل ذكورية النسوية فينا......مثقفنا الشرطي...شرطينا العاطفي...تفاصيل وتفاصيل تتشكل أمامنا فوضى من العنف الذي يستثير سكوننا الموهوم للنزع عن وجوهنا الأقنعة ونخرج من خمسين استفهاما جارحا يطرحه علينا استفزاز ركحي يمتد على مساحة ساعتين والنصف من نصف قرن من استقلال البلاد...قبل أن تستوطن خمسون المسرح التونسي، عُرضت المسرحية على خشبة مسرح «الأديون» الباريسي فكانت بذلك المرة الأولى التي تُسمع فيها العربية في الأديون...اختار الفاضل الجعايبي وجليلة بكار تفتيح جراحنا على ركح شهد روائع موليير وجان جينيه...بشغف انتظرنا أن نحظى بعرض «خمسون» على مسارحنا التونسية...ولكن قبل أن يأذن الرقيب عشنا ألم الحرمان لولا تلك المقالات التي كانت تغذي لهفتنا إذ نطالعها هنا وهناك...الفاضل الجعايبي «إرهابي» على أبواب الحي اللاتيني هكذا عنون بيار أبي صعب مقالا نشره في صحيفة الحياة الصادرة بتاريخ 8 جوان 2006. في هذا المقال اختار أبي صعب وهو المختص في النقد المسرحي أن يذكر بمجد مسرح «الأديون» الباريسي...هذا المسرح الذي شهد منذ أربعين سنة اشتعال معركة شهيرة على إثر عرض نص جان جينيه «السواتر» بعدها اشتعلت معركة أخرى حول إمكانية عرض مسرحية خمسون في تونس. وكأن صاحب المقال قد تنبأ بما سيحدث « ومن المتوقع ان تثير مسرحية الجعايبي التي شارك في تأليفها مع رفيقة دربه الممثلة جليلة بكار سجالا واسعا يتجاوز حدود الحي اللاتيني إلى عواصم عربية عدة أولاها تونس فالمسرحي المشاكس يعري مجتمعه ويسدد إصبع الاتهام إلى نخب بلاده والقائمين عليها محملا الجميع مسؤولية هذا الانحطاط العبثي الذي يحول راهننا السياسي والحياتي والفكري براكين متفجرة»كان مقال بيار أبي صعب ناقوسا يدق للفت انتباه المشاهد العربي والفرنسي أيضا إلى أن هذا المسرح، عربي اللسان، إنما هو موجه للجميع، لأن العنكبوت قد حاكت بيتها في أوسع مما يظن الجميع. لذلك يجوّز أبي صعب تسمية الجعايبي مجازا بالإرهابي «إذ أنه ينقل العنف السياسي والاجتماعي الذي يعيشه العالم العربي إلى قلب المسرح الفرنسي « هذا العنف المعمم الذي يموقعه الفاضل الجعايبي على خشبة المسرح «باعتماد العنف المؤسلب وتقنيات مسرح القسوة للغوص في جراح الجماعة والمواضيع المؤلمة من ضمير الإنسان العربي المعاصر».أجساد رهينة تخرج على ركح الأديونهو «الحامل لأسئلة نادرا ما تطرح على الساحة الفرنسية» هو الفاضل الجعايبي مثلما قدمته الصحفية ميّ بوتييه في صحيفة Libération في عددها الصادر في 11 جوان 2006. كتبت الصحفية محدثة عن الفاضل الجعايبي و «كيف تمكن بأسلوبه الساخر من طرح تلك الأسئلة» بعيدا عن المسرح التوثيقي وبلغة ركحية جادة تتداخل فيها الظلال مع الأجساد. كما في «جنون» كان دخول الممثلين إلى الركح هادئا للغاية، ها هنا ممثلو الجعايبي نساء محجبات ومنهن تنبثق طاقة مذهلة يتلقاها الجمهور» من الهدوء الظاهر تتناسل دوائر الصراع. من الأجساد المغطاة يأتي عري الأسئلة المجتمعية الأكثر إلحاحا الآن هنا»إذا كان الفاضل الجعايبي يساءل التاريخ السياسي والمجتمع التونسي الحديث فهو في ذات الحين يثير تلك الإشكاليات من خلال الطاقة الجسدية لمسرح كوريغرافي في كل مليمتر على ركحه» ترتيل متناغم هو الصدى الجسدي والصوتي والبصري لانفجار الجسد المتشظي للمدرّسة المنتحرة نحو إعادة ترميم أشلاء الجسد المجتمعي بكامله.خمسون: رقصة الموت التونسيحوارية بين النص والنص، بين السلفية والصوفية، بين الدغمائية والتنويرية. حوارية بين شخصيات جاءت إلى الركح بتاريخ واحد ولكن بقراءات مختلفة»كل شيء قد قيل انطلاقا من حركات الصلاة» إنها رقصة الموت، رقصة الحجاب يتمايل على إيقاع خطاب حداثي وآخر سلفي يحاول أن يكرس الشريعة الإسلامية كحل لاسترجاع مجد الأمة. هكذا شخصت فوزية الزواري ذاك الصراع الموجع الذي دار بين شخوص جليلة بكار في خمسون. لكن صاحبة المقال الذي نشر في Jeune Afrique في عددها الصادر يوم 18 جوان 2006 تتسائل عن البعد المأساوي الذي اتسمت به المسرحية حيث تقول «لكننا نستغرب إذ أن هذا السيناريو الكارثي قد اتخذ من تونس مسرحا له. لا تاريخ البلاد ولا عاداتها يمكن أن يوحي بأن أمرا كهذا يمكن أن يحدث رغم هذه العودة الملحوظة للحجاب. الحجاب على الطريقة الإيرانية يبعد أحداث المسرحية عن الواقع التونسي بل انه يبدو قناعا غير مناسب بالمرة لحامليه. كما أنه من الصعب أن نتقبل هذا الإرهاب الذي يمكن أن تكون النساء بطلاته». في هذا المقال تعرضت الكاتبة إلى الأسلوب المباشر والوضوح الشديد الذي طغى على نص المسرحية «مع أن النص قد تميز بذكاء حاد على مستوى التحليل إلا أنه لم يترك للمشاهد أي مجال للتأويل أو الاجتهاد الشخصي».في شهر جوان الماضي طرح مقال فوزية الزواري عديد الأسئلة على الجعايبي وجليلة بكار تاركا للتاريخ وحده شرف الإجابة. لكن يبدو أن هذا الأخير لم يتأخر كثيرا.

ليست هناك تعليقات: